يقال ان ابي خرج فجرا الى الشارع الرئيسي المؤدي الى (الكرك ) لإحضار سيارة تأخذ امي الى المستشفى من اجل ولادة ميسرة , ولكن ابي لم يعد لغاية الان , فتولت عجوز بدوية سحبي من الرحم كيفما اتفق …
- ( ابو ترابة ) …
في هذه القرية هواء طلق يتوفر ضمن دفقات قوية على مدار الساعة , وكلاب تنبح في السراء والضراء , ومطاعم وجبات سريعة كنا لا نأكل فيها باعتبار ان للجوع تخمة , ومدرسة نذهب اليها كل صباح للاحتماء بجهل اقل وطأة … - ( ابو ترابة ) ..
حيث الهواء نشيد دون طائل , وحيث تضع النسور الصقور فراخها , وحيث الدهشة في اعين الاطفال كلما مرت سيارة بدائية على الطريق المؤدي الى ( الكرك ) . وحيث القصص الكاذبة التي يرويها الفقراء عن ضباع قتلها شخص اسطوري لم يعش في القرية مطلقا , وحيث الغرفة الرديئة التي اصر وزير التربية على انها مدرسة : والادهى من ذلك انه اصر على اننا تلاميذ … - ( ابو ترابة )
اتذكر ان الناس تظاهروا احتجاجا على افتتاح فرع ل( السيفوي ) في القرية . وامتنعوا عن الذهاب الى مدينة الملاهي التي اقيمت في الارض الخلاء القريبة . ولم تجتذبهم صالة ( الاتاري ) التي صارت احدى المغارات مقرا لها . وتعففوا عندما انشأ احد المستثمرين منتجعا سياحيا قرب المزبلة .
اتذكر الزوابع التي تلهو مع الاطفال في الصحراء . العنزة الرؤوم التي ماتت من فرط الغبار والوهج . ( علب السردين ) التي القتها العائلة بعد الغداء يوم الجمعة . ( كرتونة البيض ) التي عاد بها العسكري يوم الراتب . الشمس الحامية التي تكوينا امام مكتب نائب الدائرة من اجل الحصول على دعم لوظيفة تافهة . الموتى الذين قبرناهم رغما عنهم . المرضى امام المستشفى الحكومي الذي يرقد فيه اصحاء مدعومون . الحكومة التي تجتمع في ( بيت شعر ) منصوب في العراء .
اتذكر الخبز الساخن في الصباح , دجاجتنا الخائنة : تأكل قمحنا , وتبيض عند الجيران , المدرسة البعيدة التي ذهبنا اليها مشيا على الاقدام الحافية : رائحة الاغنام اذ تمر من تحت النافذة . الافعى التي اطلت من ثقب في الجدار , فعالجها احد الجيران برصاصة من بندقية عتيقة . بيوت الطين … امتحان الحساب الذي رسبنا فيه جميعا , وكان عزاؤنا اننا ( الاقل حظا ) مع ان وزير التربية آنذاك لم يكن حالما وشفافا الى حد ابتكار مثل هذا التعبير . ( بعر الماعز ) تحت الاشجار . الرحلة المدرسية التي ضاع فيها احد التلاميذ في ماء ( الهيدان ) .
** ها انذا اتذكر …
قرية ( مليح ) التي انتقلنا اليها فيما بعد رغبة منا في الانتماء لفقر مختلف , وفي هذه القرية تعرفت الى ( سعود قبيلات ) الذي كان يكبرني برغيف : ( مؤنس الرزاز ) كان ميتا انذاك , و ( سالم النحاس ) كان يقرع جرس الكنيسة لكي يلتحق الاتقياء ., و ( يعقوب زيادين ) يقرأ ( البيان الشيوعي ) وقت ( السحور ) , و ( طاهر العدوان ) طاهرا كالمعتاد , وليس عدوانيا
كان الاردن مختلفا تماما . بسيطا تماما . رائعا تماما : كان للجميع … لم يكن ثمة قرميد احمر … ولا نساء بملابس ضيقة … ولا ( حزازات ) لأسباب تافهة , كان الماء عذبا . والهواء نقيا .