خطبة الجمعة القادمة تحت عنوان (والفتنة أشد من القتل) ( نص الخطبة )

عناصر الخطبة (ملزم)
• لقد جاء الإسلام بمنظومة عظيمة من الأخلاق والقيم، لبناء أمة عزيزة كريمة، قوية في ذاتها، قادرة على نشر الخير والفضيلة بين الأمم، هدفها الوصول إلى مجتمع تسوده المحبة والأخوة والوئام بين أبنائه، يقول تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103.
إن أخطر ما يهدد الأّمة والوطن اليوم هو ما يحاول أصحاب الفتن بثّه في المجتمع لإضعاف قوته، وتشتيت شمل اهله، وإيهان عزيمته، وبالتالي فإن خطر هؤلاء عظيم، وفسادهم عميم، لأنهم كالخفافيش لا يحبون النور ولا يعملون إلا في الظلام.
• لقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من عاقبة الخروج عن الجماعة، لأنها سبب في رجوع الجاهلية العمياء إلى الأمة، وهنا لا بد من الأخذ على يد كل من تسول له نفسه إثارة الفتن والقلاقل في المجتمع، ويحاول نشر الفزع وزعزعة الأمن بين الناس.
• إن من أعظم الفتن التي ابتليت بها أمتنا في زماننا المعاصر، الابتلاء بخوارج العصر، الذين يسعون في الأرض فساداً ويحاربون أهل الإسلام، ويستبيحون دماءهم وأموالهم، ولا يرون حرمة لدم إنسان، وقد خاضوا في لجّة التكفير، فحملوا السلاح على الآمنين ، ثم ارتكبوا أعظم الآثام والذنوب وهي الاعتداء على الأرواح الآمنة.
• سيبقى هذا البلد بإذن الله تعالى عصياً على كلّ من تسول له نفسه أن ينال من أمنه واستقراره وسيبقى أهله الأخيار ورجال أمنه البواسل، السدّ المنيع والسياج الحامي لهذا الوطن العزيز.
• إن تعبير الانسان عن رأيه لا يتيح له الاعتداء على اموال الناس واعراضهم ودمائهم وقطع الطريق عليهم، فقد رسم الاسلام آدابا وضوابط لكل تصرف في حياة الانسان المسلم، وهذا لا يكون إلا بالتربية الإسلامية الصحيحة وربط حياة الناس بالتعلق بكل جزء من ثرى الوطن، ويكون بالالتزام بالقوانين والأنظمة التي تحافظ على أمن البلاد واستقرارها.
• ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس عليه السلام حيث قال: ( لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء،87: 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
الآيات القرآنية (مُلزم)
الآية اسم السورة ورقم الآية
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103
(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة: 191
(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة: 217
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء: 93
(مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) الأحزاب: 61-62
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ). البقرة: 11-12
(يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) التوبة: 47
( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة: 33
﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ الأنفال: 46
الأحاديث النبوية (مُلزم)
طرف الحديث تخريجه
«عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ» سنن الترمذي
«مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» صحيح مسلم
«من حمل علينا السلاح فليس منا» متفق عليه
«من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه» صحيح مسلم
« لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما» رواه البخاري
«لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره؛ التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات– بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» صحيح مسلم
ملخص الخطبة (ملزم)
• لقد جاء الإسلام بمنظومة عظيمة من الأخلاق والقيم، لبناء أمة عزيزة كريمة، قوية في ذاتها، قادرة على نشر الخير والفضيلة بين الأمم، هدفها الوصول إلى مجتمع تسوده المحبة والأخوة والوئام بين أبنائه، يقول تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103
• إن أخطر ما يهدد الأّمة والوطن اليوم هو ما يحاول أصحاب الفتن بثّه في المجتمع لإضعاف قوته، وتشتيت شمل اهله، وإيهان عزيمته، وبالتالي فإن خطر هؤلاء عظيم، وفسادهم عميم، لأنهم كالخفافيش لا يحبون النور ولا يعملون إلا في الظلام، وقد ذكر الله تعالى أذاهم ووصفه بأنه أكبر ضرراً في المجتمع من القتل فقال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة: 191، وقال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة: 217.
• لقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من عاقبة الخروج عن الجماعة، وأنها سبب في رجوع الجاهلية العمياء إلى الأمة وهنا لا بد من الأخذ على يد كل من تسول له نفسه إثارة الفتن والقلاقل في المجتمع، ويحاول نشر الفزع وزعزعة الأمن بين الناس. فمن سوّلت له نفسه المساس بهيبة الدولة، أو الخروج عن قوانينها، وتخريب النظام فيها، والاعتداء على رجال الأمن فيها، فهو من أصحاب الفتن ويجب محاسبته ومعاقبته العقاب الرادع، الذي يحفظ أمن البلاد واستقرارها.
• إن من أعظم الفتن التي ابتليت بها أمتنا في زماننا المعاصر، الابتلاء بخوارج العصر، الذين يسعون في الأرض فساداً ويحاربون أهل الإسلام، ويستبيحون دماءهم وأموالهم، ولا يرون حرمة لدم إنسان، وقد خاضوا في لجّة التكفير، فحملوا السلاح على الآمنين ، ثم ارتكبوا أعظم الآثام والذنوب وهي الاعتداء على الأرواح الآمنة.
• سيبقى هذا البلد بإذن الله تعالى عصياً على كلّ من تسول له نفسه أن ينال من أمنه واستقراره وسيبقى أهله الأخيار ورجال أمنه البواسل، السدّ المنيع والسياج الحامي لهذا الوطن العزيز، كما يجب على كل مسلم أن يحذر من الاعتداء على المرافق التي وضعت لخدمة الناس، لأنه اعتداء على المال العام، وتخريبه هو الإفساد في الأرض الذي نهى عنه الله عز وجل ونبيه الكريم، كما يحرم على المسلم ترويع الآمنين، وتخويفهم، وقطع الطرق عليهم
• إن تعبير الانسان عن رأيه لا يتيح له الاعتداء على اموال الناس واعراضهم ودمائهم وقطع الطريق عليه، فقد رسم الاسلام آدابا وضوابط لكل تصرف في حياة الانسان المسلم، وهذا لا يكون إلا بالتربية الإسلامية الصحيحة وربط حياة الناس بالتعلق بكل جزء من ثرى الوطن، ويكون بالالتزام بالقوانين والأنظمة التي تحافظ على أمن البلاد واستقرارها.
• ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس قال حيث قال: ( لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (6).
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك صلى الله عليه وسلم، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».
(1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة»
(والفتنة أشد من القتل)
المادة العلمية المقترحة
لقد جاء الإسلام بمنظومة عظيمة من الأخلاق والقيم، لبناء أمة عزيزة كريمة، قوية في ذاتها، قادرة على نشر الخير والفضيلة بين الأمم، هدفها الوصول إلى مجتمع تسوده المحبة والأخوة والوئام بين أبنائه، يقول تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران: 103.
ولا يخفى على ذوي الألباب والعقول أن أخطر ما يهدد الأّمة والوطن هو ما يحاول أصحاب الفتن بثّه في المجتمع لإضعاف قوته، وتشتيت شمل اهله، وإيهان عزيمته، وبالتالي فإن خطر هؤلاء عظيم، وفسادهم عميم، لأنهم كالخفافيش لا يحبون النور ولا يعملون إلا في الظلام، وقد ذكر الله تعالى أذاهم ووصفه بأنه أكبر ضرراً في المجتمع من القتل فقال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة: 191، وقال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة: 217، والمقصود بالفتنة الانحراف عن الصراط المستقيم، والمنهج القويم، إلى منهج الشرك بالله تعالى والإفساد في الأرض، لذلك كان الواجب على المؤمنين الحذر منهم، وواجب على العلماء بيان زيف أفكارهم، وتفنيد كذبهم وشائعاتهم، حتى يبقى المجتمع محصناً من أفكارهم الظلامية المتطرفة.
كما يجب على كل مسلم أن يحرص على عدم نشر الفتن العمياء التي لا تصيب أحداً إلا آذته وألحقت الضرر به، وأن يحصن نفسه وأهله من الوقوع والخوض في ذلك الشر المستطير، لذا أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن وسيلة التصدي لهذه الفتن هو لزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج عليهم بسبب شهوة وهوى متبع فإنها خير وسيلة لمواجهة هذه الفتن، قال صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ» سنن الترمذي.
وكما حذرنا صلى الله عليه وسلم من عاقبة الخروج عن الجماعة، وأنها سبب في رجوع الجاهلية العمياء إلى الأمة ولا بد من الأخذ على يد كل من تسول له نفسه إثارة الفتن والقلاقل في المجتمع، ويحاول نشر الفزع وزعزعة الأمن بين الناس فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» صحيح مسلم، فمن سوّلت له نفسه المساس بهيبة الدولة، أو الخروج عن قوانينها، وتخريب النظام فيها، والاعتداء على رجال الأمن فيها، ورفع السلاح في وجوههم، فهو من أصحاب الفتن ويجب محاسبته ومعاقبته العقاب الرادع، الذي يحفظ أمن البلاد واستقرارها.
وإن من أعظم الفتن التي ابتليت بها أمتنا في زماننا المعاصر، الابتلاء بخوارج العصر، الذين يسعون في الأرض فساداً ويحاربون أهل الإسلام، ويستبيحون دماءهم وأموالهم، ولا يرون حرمة لدم إنسان، وقد خاضوا في لجّة التكفير، فحملوا السلاح على الآمنين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حمل علينا السلاح فليس منا» متفق عليه، ثم ارتكبوا أعظم الآثام والذنوب وهي الاعتداء على الأرواح الآمنة، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء: 93، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضُكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره؛ التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات– بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: « لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما» رواه البخاري، وما الاعتداءات التي حصلت على رجال الأمن في أُردن الأمن والأمان في الأيام المنصرمة والتي التحق فيها ثّلةٌ بركب الشهداء الذين سبقوهم في تقديم التضحيات العظيمة للحفاظ على أمن البلاد وعزتها وكرامتها، إلا دليل على إجرام هذه الفئة الخارجة عن القانون، وما تلك الاعتداءات الغاشمة إلا دليل على فكر ظلامي يريد من خلاله المتطرفون زرع الفتنة في المجتمع، ولكنهم بإذن الله تعالى لن يحصدوا إلا السراب، ولا ينالوا إلا الخزي والعار، (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) الأحزاب: 61-62، وسيبقى هذا البلد بإذن الله تعالى عصياً على كلّ من تسول له نفسه أن ينال من أمنه واستقراره وسيبقى أهله الأخيار ورجال أمنه البواسل، السدّ المنيع والسياج الحامي لهذا الوطن العزيز، فكما أن العلماء الصادقين يحرصون على بيان زيف وكذب أدلتهم وأفكارهم المتطرفة، فكذلك رجال الأمن يقفون في وجه كل من يحاول العبث بأمن الأوطان، وتهديد أرواح الآمنين، حتى تجتمع بذلك أركان قوة المجتمع.
كما يجب على جميع المسلمين الحذر من تلبيس دعاة الفتنة الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر، وإيقاع عوام الناس في حبائلهم وشراكهم بما يلبسونه على الناس من الكلام الذي باطنه الكذب وتزوير الحقائق، فهؤلاء مثلهم كمثل الذين قال عنهم الله عز وجل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) البقرة: 11-12، فينبغي على المسلم أن يكون كيساً فطناً، لا تنطلي عليه هذه الأكاذيب، حتى لا يتحول إلى أداة بأيدي أصحاب الفكر الظلامي الإجرامي، فإن أهداف هؤلاء معروفة معلومة عند أهل العلم، وقد قال تعالى: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) التوبة: 47، لذلك حرص الإسلام على وأد بذور الفتنة قبل وقوعها، واجتثاثها من أصولها قبل ظهورها، وجعل عقوبة الجرائم التي يقوم بها المتطرفون عقوبة شديدة ، وهي تعرف عند العلماء بـ " حد الحرابة " أو " قطاع الطريق " وهو المذكور في قول الله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/33 .
لذلك يجب على كل مسلم أن يحذر من الاعتداء على المرافق التي وضعت لخدمة الناس، لأنه اعتداء على المال العام، وتخريبه هو الإفساد في الأرض الذي نهى عنه الله عز وجل ونبيه الكريم، كما يحرم على المسلم ترويع الآمنين، وتخويفهم، وقطع الطرق عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه» صحيح مسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، يقول الله تعالى:﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾.
عباد الله: إن أهم مقومات الحفاظ على الأوطان، وإظهار الولاء والانتماء لترابه، أن يبتعد المُسلم عن كلّ ما يمس أمن الوطن أو يسيء إلى مكانته وسمعته بين الأمم، وأن يحذر من تناقل الشائعات الهدامة، والأخبار الكاذبة، وأن يبتعد عن الاختلاف والتفرق الذي يفت في عضد الأمة ويفرق صفها، ويوهن هيبتها، ويقلل من شأنها قال تعالى ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ الأنفال: 46، فالأمة المتشرذمة غير قادرة على الإنتاج أو إدارة عجلة الحضارة، بل هي مشغولة دائماً بمشكلاتها الداخلية والخارجية.
إن تعبير الانسان عن رأيه لا يتيح له الاعتداء على اموال الناس واعراضهم ودمائهم وقطع الطريق عليه، فقد رسم الاسلام آداباً وضوابطَ لكل تصرف في حياة الانسان المسلم، وهذا لا يكون إلا بالتربية الإسلامية الصحيحة وربط حياة الناس بالتعلق بكل جزء من ثرى الوطن، ويكون بالالتزام بالقوانين والأنظمة التي تحافظ على أمن البلاد واستقرارها.
ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس حيث قال: لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87): 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد، إنه سميع مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين



















