بسبب غياب المُلْكية الفردية لوسيلة الإنتاج الرئيسية ( الأرض) في الأردن التقليدي، ترسخت لدى الأردني، ثلاث قيم كبرى هي (1) المساواتيّة؛ فليس لديه قبول بالهرمية الطبقية أو السياسية أو العائلية. فالكل سواسية. وليس هنالك اعتراف بالثروات ـ غير الشخصية ـ ولا بحقوق سياسية تنجم عنها، وليس هنالك إذعان للإمتيازات الطبقية أو للتفوّق الناجم عن الثروة، (2) الجماعيّة؛ فالفرد الأردني الذي لا يملك، ولا يؤمن بالمُلكية الفردية، لم يبن تقاليد الفردية، وظل مرتبطا بعضويته في جماعة العشيرة، وملتزما بها حتى بعد أفول ضرورتها الإقتصادية، (3) الإكتفائيّة؛ فالأردني ليس متطلّبا في مأكله ومشربه ومسكنه ونمط حياته، ولا يشعر أنه فقير إذا توفر له بيت وفراش ومخزون من الجميد والسمن والزيت الخ
وتنشأ عن هذه السمات، قيم التسامح والضيافة والإخاء. فالتعصبات وعدم الإنصياع لتقاليد الضيافة المطلقة ومشاعر الأخوة، تنشأ عن المُلكية الفردية. ولذلك، بدأت هذه القيم بالتراخي لدى الفئات البرجوازية وقسم من البرجوازية الصغيرة الصاعدة.
وبعد التحولات التي شهدها المجتمع الأردني منذ التسعينات باتجاه الرأسمالية، ظهرت فئات مثرية كسرت تقليد الإكتفائية، وأخذت تبذخ في السكن ونمط الحياة، لكن من دون إنسجام بين المنزل والشخص ونمط معيشته ولغة جسده، فتحسّ بأنه مفتعل، و في غير مكانه وزمانه. وتثير أنماط البذخ، السخرية لا الحسد أو الشعور بالدونية. فالسمة الخاصة بالمساواتية متجذرة في نفسيّة الأردني بحيث لا يقهرها المنعّمون او محدثو النعمة. ويظلّ الملقى الحارّ، عند الأردني، هو أفضل الضيافة، والمنسف أفخر الطعام. وأما الولاء للجماعة (العشيرة أو الدولة) فلا مناص منه للأغلبية، رغم أنه لا يمنع الشرود المفاجيء إلى الذاتية المفرطة التي لا تعبر دائما عن مصلحة بقدرما تعبّر عن نزوع نفسي للتفلّت المؤقت الطفولي من قيود الجماعية.”