الكاتب / خالد عيسى
لا عصفور في يدي من عصافير الجليل ، ولا شجرة في غربتي تورق بالبلاد ، وحده العندليب يخبرني سأعود يوما الى الشجرة .
والشجرة هي قريتي التي تغفو على تلة لها شكل واو عطف في منتصف الطريق بين الناصرة وطبريا ، وأحيانا لها حيرة إشارة الاستفهام في ترددها أن تختار أن تكون من قضاء الناصرة أو من قضاء طبريا .
حسم الجليل أمر حيرتها وقرر : أنها من قضاء طبريا ، وعاشت حياتها بين نسمات بحيرة طبريا برائحة سمك الصيادين ، ونسمات مرج ابن عامر بعبق الزيزفون .
لا قرية اليوم في قريتي التي دمرتها عصابات بن غوريون ، وهاغانا اسحق شامير ، بعد معركة طاحنة ، سقط فيها كثير من الشهداء ، كان منهم الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الذي حمل روحه على راحته من عنبتا قضاء طول كرم والقى بها في مهاوي الردى في الشجرة .
وبين روح عبد الرحيم محمود وروح أبو عرب تصحو الشجرة هذا الصباح في غربتي الاسكندنافية في يوم الأرض .
لا شجرة في الشجرة كل ما بقي منها شجيرات صبار نفد صبرها بانتظار العائدين الذين لم يعودوا من ” مخيم العائدين ” في حمص ، أو من مخيم اليرموك في ضواحي دمشق .
ولا حياة تسر الصديق ، فقط ممات يسر العدا ! وخيبات تلوك قهرها في مخيمات الشتات .
في يوم الأرض .. نحن أيتام الأرض نستحضر أرواح مدننا وقرانا في المنافي ، ونحلم مثل كل البشر بمسقط رأس لا يسقط منا ، نحلم بوطن مثل كل المخلوقات على أرض الله الواسعة التي لا تتسع فقط لنا نحن شعب المشحرين حين قرر شعب الله المختار ان يتمختر علينا ، ويحط كالجراد على بلادنا ، ويلتهم زرعنا ، ويمص ضرعنا ، ويقضم خبز بلادنا نتشة نتشة .
في يوم الأرض مازلنا نتنفس زعتر ، وبين ” شهيد ” وزفير
ننفخ آه لوعتنا ، وترسم أنفاسنا خارطة فلسطين من النهر الى البحر ، ونحمل مفاتيح بيوتنا في وجه صدأ أقفالها ، ونحلم بعصفور في اليد من عصافير الجليل في قرية اسمها الشجرة .