هل البشرية قابلة للإصلاح؟ وهل هناك أي أمل في وأد العفن الفكري المنتشر اليوم في العالم والمجتمعات؟
لا ..انتشار الوعي والتطور الفكري يحدث بشكل بطيء وعشوائي ولا يمكن التحكم به حقيقة.. خاصة اليوم في ظل عالم كبير منفتح على بعضه.. ويحدث لأسباب مختلفة ليست كلها تصب بمصلحة تطور وعي وشخصية الفرد.
والعوامل المؤثرة بالأفراد أصبحت كثيرة جدا ويصعب حصرها أو السيطرة عليها.
الأفكار لا يمكن قولبتها وعقل الإنسان لا يمكن برمجته بشكل دقيق وسلس .. لذا تجد اليوم اختلال بالموازين.. الأفكار والقيم والمبادئ قد تصل بشكل مشوه للناس.. أو يتم التلاعب بها.
حتى أصبحت الخرافات والأساطير ترتدي ثوب العلم والحكمة ويتم اعتمادها كمسلمات وحقائق واضحة .. فتزيد من جهل المجتمعات وغرقها بالظلمات وتسطيح عقل الأفراد.
من يحارب الجهل والسطحية والتشوه الفكري اليوم؟
لا أحد حقيقة.. هذا العالم بات عشوائيا غوغائيا بلا رقيب أو حسيب .. لا يهاب أي شيء أبدا .. ويهتم لمصلحته الخاصة..
حتى أن لا كوارث طبيعية ولا أساطير أو إيمانيات عادت قادرة على ردع أو تهذيب أو ترتيب حال المجتمعات..
فنحتاج بشكل جدي لمراجعة شاملة كاملة للوصايا والقيم والأفكار والدساتير والمعتقدات بما يلائم ويساعد في إعادة برمجة المجتمعات البشرية.
كما أن العقول تصدأ إن طال عدم استخدامها.. واليوم هناك فئة كبيرة جدا من المجتمعات لا تريد استخدام عقلها.. ترفض التغيير والتجديد بشكل عنيف وقاسي.. ترفض الغوص في عمق البحار.. وتحب اللهو في البرك الضحلة العفنة.. ومستعدة لمصادقة الشيطان من أجل مصلحتها..
أين ذهبت النخبة؟ وفي أين عالم يقطن المثقف؟
بداية معيار النخبة غالبا تغير .. فيتم الحكم بناء على معايير مادية سطحية بحتة.. ولم يعد المضمون الفكري والثقافي هو الفيصل..
وأعتقد للأسف أن فئة النخبة من أصحاب العلم والفكر والثقافة.. أصحاب الحكمة والرزانة.. تهمشت.. وهم بدورهم الآن يهمشون ذواتهم.. ربما يترفعون عن عالم يرفضهم ولا يمكنهم الانسجام به.. لكنهم يعطلون بذلك أهم دور لهم في قيادة المجتمع وإصلاحه نحو الحكمة و الانفتاح الفكري والقيم الإنسانية.
النخبة تم صلبها للأسف.. وتحولت لطيف فقد صوته.. بالكاد قادرة على الاعتراض وتسجيل موقف لها.. يتم استبعادها من أي دور القيادة.. يتم تهميشها إعلاميا.. ورجمها من الجمهور..
أين المفر؟
بداية دعنا نتفق أننا لا نريد عالما طوباويا.. نحتاج فقط للتخفيف من آثار هذه المهزلة العالمية.. إعطاء مساحة للتنوير تماما كما يتم إعطاء كل الفرص للظلمات والتسطيح الفكري… نحتاج القليل من الهواء النظيف الممزوج بعبق الثقافة والتنوع الفكري والتسامح واللطف..
نحتاج عالما أقل قسوة وغوغائية وهمجية ..
نحتاج اليوم لعودة حمورابي .. أو لقيامة المسيح.. لوضع حد للمأساة البشرية.. نحن بهذه الطريق نخلق جحيم أبديا لأنفسنا.. ولن نعود لنعرف أي طريق للجنان بعدها…
نحتاج لأمثال جون لوك وجان جاك روسو وديكارت .. نحتاج لإحياء عصر العقل من جديد.. لثورة فكرية فلسفية عالمية..
لفتح حوار طويل كبير بين مجتمعات العالم .. حوار فكري ديني فلسفي قيمي … نحتاج لكسر الأصنام وهدمها.. لإعادة تعديل الموازيين.. أو ربما حالتنا ميؤوس منها فنحتاج لطوفان جديد ينتقي الأفضل والأصلح في هذا العالم فقط لعلهم يبدأوا في صنع عالم جديد بعيدا عن العطب العقلي والتلوث الفكري الذي شوه حياتنا وكدر عصرنا.