+
أأ
-

نص خطبة الجمعة القادمة الموافق 14/7/2023م تحت عنوان الهجرة النبوية دروس وعبر معززاً بالشواهد من الكتاب والسنة

{title}
بلكي الإخباري









يستذكر المسلمون في مستهل كل عام هجري جديد هجرةَ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والتي كانت إيذاناً ببداية التاريخ الإسلامي المجيد، هذا التحول العظيم الذي نستلهم منه الدروس والعبر في جميع مناحي حياتنا.
لقد كانت الهجرة الشريفة مثالاً للتآخي والمحبة والألفة بين المسلمين؛ من المهاجرين والأنصار، فتحققت الوحدة بينهم بأسمى معانيها، وأزيلت الأحقاد والمنازعات التي كانت في الجاهلية، وألف الله بين قلوبهم وأصبحوا على قلب رجلٍ واحد.
إن في الهجرة النبوية الشريفة دروساً تربوية، وعبراً عظيمة، ومن أهمها التوكل على الله تعالى، والثقة بنصره تعالى لعبادة المؤمنين، وهذا إعلامٌ من الله لأصحابَ رسوله صلى الله عليه وسلم أنّه المتوكّلُ بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم على أعداء دينه وإظهاره عليهم.
إنَّ من عظات الهجرة النبوية الشريفة أن نأخذ بالأسباب ونحسن التدبير، فحسن الإدارة والتخطيط سرٌّ من أسرار النجاح بعد توفيق الله عز وجل، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته الشريفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بأسباب النصر؛ حتى يعلمنا مبدأً عظيماً يجب أن لا نغفل عنه في حياتنا.
هذا، وإن للهجرة معنى آخر ؛ ألا وهو هجر الذنوب والمعاصي، وهجر كل طريق يبعدك عن طريق الله سبحانه وتعالى، والمهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، هو من هجر موقع ذنوبه وأسبابها ورحل إلى موقع آخر من التوبة والطهر، حتى يكون أبعد وأنقى وأطهر مما كان.
ومن دروس الهجرة حب الوطن؛ فقد وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة المكرمة ــ التي وُلد فيها وترعرع ونزل الوحي عليه في أعلى قمة من جبالها ــ وخاطبها قائلا: «ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ» وراه الترمذي، وهذه الكلمات النبويات المباركات تعلمنا أن نحب وطننا ، وأن نحميه بالمهُج والأرواح.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
فهرس الآيات
الآية
السورة ورقم الآية
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
آل عمران103
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
الأنفال: 63
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍۢ فَٱنْهَارَ بِهِۦ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰالِمِينَ
التوبة: 109
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
التوبة:40
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
الصف:8
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ﴾
الأحزاب : 43
فهرس الأحاديث
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ مِن مغربِها»
رواه أبو داود
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه»
رواه البخاري
قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ»
رواه الترمذي
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»
رواه مسلم
«من قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر»
متفق عليه
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»
صحيح البخاري
ومن قال: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ الانبياء:87، «أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه».
رواه الحاكم في مسنده





ملخص الخطبة (ملزم)
يستذكر المسلمون في مستهل كل عام هجري جديد هجرةَ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والتي كانت إيذاناً ببداية التاريخ الإسلامي المجيد، هذا التحول العظيم الذي نستلهم منه الدروس والعبر في جميع مناحي حياتنا، ذلك لأن الهجرة النبوية الشريفة تعدُّ أصلاً لكل الأحداث الغرّاء في تاريخ الإسلام والمسلمين، وهي فاتحة خير ورحمة للإنسان وللإنسانية جمعاء.
لقد كانت الهجرة الشريفة مثالاً للتآخي والمحبة والألفة بين المسلمين؛ من المهاجرين والأنصار، فتحققت الوحدة بينهم بأسمى معانيها، وأزيلت الأحقاد والمنازعات التي كانت في الجاهلية، وألف الله بين قلوبهم وأصبحوا على قلب رجلٍ واحد، قال الله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال: 63.
إن في الهجرة النبوية الشريفة دروساً تربوية ، وعبراً عظيمة ، ومن أهمها التوكل على الله تعالى، والثقة بنصره تعالى لعبادة المؤمنين، قال الله تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة:40.
إنَّ من عظات الهجرة النبوية الشريفة أن نأخذ بالأسباب ونحسن التدبير، فحسن الإدارة سرٌّ من أسرار النجاح بعد توفيق الله عز وجل، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته الشريفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بأسباب النصر؛ حتى يعلمنا مبدأً عظيماً يجب أن لا نغفل عنه في حياتنا.
هذا، وإن للهجرة معنى آخر ؛ ألا وهو هجر الذنوب والمعاصي، وهجر كل طريق يبعدك عن طريق الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ مِن مغربِها» رواه أبو داود، والمهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، هو من هجر موقع ذنوبه وأسبابها ورحل إلى موقع آخر من التوبة والطهر، حتى يكون ابعد وأنقى وأطهر مما كان.
ومن دروس الهجرة حب الوطن؛ فقد وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة المكرمة ــ التي وُلد فيها وترعرع ونزل الوحي عليه في أعلى قمة من جبالها ــ وخاطبها قائلا: «ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ» وراه الترمذي، وهذه الكلمات النبويات المباركات تعلمنا أن نحب وطننا ، وأن نحميه بالمهُج والأرواح، لأننا نعيش على ثراه الطهور ونعبد الله تعالى على أرضه آمنين مطمئنين.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.





أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}(6).
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».









(1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة»
(الهجرة النبوية دروس وعبر)
المادة العلمية المقترحة
يستذكر المسلمون في مستهل كل عام هجري جديد هجرةَ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والتي كانت إيذاناً ببداية التاريخ الإسلامي المجيد، هذا التحول العظيم الذي نستلهم منه الدروس والعبر في جميع مناحي حياتنا، ذلك لأن الهجرة النبوية الشريفة تعدُّ أصلاً لكل الأحداث الغرّاء في تاريخ الإسلام والمسلمين، وهي فاتحة خير ورحمة للإنسان وللإنسانية جمعاء.
لقد سطع نور الإسلام بعد الهجرة في الآفاق يضيء الدنيا بأنوار النبوة المباركة ، فقد انتقل المسلمون من حال الضعف والذلة إلى القوة والعزة، وأخرج هذا الدين العظيم الناسَ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سَعة الدنيا والآخرة، وأصبح المسلمون أمة واحدة، من دون الناس، باعتصامهم بكتاب الله تعالى، والتزامهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ  آل عمران103.
لقد كانت الهجرة الشريفة مثالاً للتآخي والمحبة والألفة بين المسلمين؛ من المهاجرين والأنصار، فتحققت الوحدة بينهم بأسمى معانيها، وأزيلت الأحقاد والمنازعات التي كانت في الجاهلية، وألف الله بين قلوبهم وأصبحوا على قلب رجلٍ واحد، قال الله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال: 63.
ثم شرع النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد ليكون منارة للعلم والمعرفة، ومكاناً للعبادة يجتمع فيه المسلمون لأداء صلواتهم، فزالت الفوارق بينهم، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، قال الله تعالى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ الحجرات:13، وقد أُسس هذا المسجد على تقوى الله وطاعته من أول يوم ابتدئ في بنائه، قال الله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍۢ فَٱنْهَارَ بِهِۦ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ التوبة: 109، وبعد ذلك قام النبي صلى الله عليه وسلم ببيان الحقوق والواجبات بين المسلمين أنفسهم، وبين غيرهم ممن كانوا يسكنون المدينة المنورة آنذاك، على أساس من المواطنة الصالحة والمساواة ليكون المجتمع المدني في عهده صلى الله عليه وسلم الأنموذج في التاريخ حتى تقوم الساعة.
إن في الهجرة النبوية الشريفة دروساً تربوية، وعبراً عظيمة، ومن أهمها التوكل على الله تعالى، والثقة بنصره تعالى لعبادة المؤمنين، قال الله تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة:40، وهذا إعلامٌ من الله لأصحابَ رسوله صلى الله عليه وسلم أنّه المتوكّلُ بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم على أعداء دينه وإظهاره عليهم، وهذا طريق النصر حيث أشارت الآيات إلى أن الله عز وجل لا يضيّع عباده، ولن يخذلهم أبداً إذا صدقوا مع ربهم، فقد نصرالله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على قومه الذين ناصبوه العداء، وكانوا قوماً لُدّاً، وأتمَّ اللهُ نوره على الرغم من شدة عداوة قومه الذين كانوا خَصمين، قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ الصف:8.
كن مع الله تَرَ الله معَكْ واترك الكلّ وحاذر طمعَكْ
لا تؤمل من سواه أملاً إنما يسقيك من قد زرعك
عباد الله:
إنَّ من عظات الهجرة النبوية الشريفة أن نأخذ بالأسباب ونحسن التدبير، فحسن الإدارة سرٌّ من أسرار النجاح بعد توفيق الله عز وجل، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته الشريفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بأسباب النصر؛ حتى يعلمنا مبدأً عظيماً يجب أن لا نغفل عنه في حياتنا، وهو التخطيط؛ ففي هجرته صلى الله عليه وسلم دفع المال لأبي بكر رضي الله عنه من أجل شراء ركوبة تحمله من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، واختار صاحبه الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه ليكون رفيقه في أعظم رحلة عرفها التاريخ ، وهو رضي الله عنه الصاحب في قوله تعالى( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).
وطلب من علي رضي الله عنه أن يؤدي عنه الأمانات التي كانت عنده صلى الله عليه وسلم لأصحابها، ولم يمنعه أذى المشركين من الوفاء بها؛ فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة، ونهانا عن الخيانة ،لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق الأمين، وما أحوجنا في هذا الوقت العصيب إلى أن نفهم هذه الجوانب المضيئة من سيرته صلى الله عليه وسلم ، وتنزيل هذه اللطيفة على واقعنا المَعيش من أجل الحفاظ على مقدرات البلاد، وأمانات العباد، وأداء ما أمر الله عز وجل بأدائه ، كل هذا من أجل أن يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ عظيماً من مبادئ الدين والشريعة، وهو حسن الإعداد والتخطيط، وحسن الاختيار والتدبير.
هذا، وإن للهجرة معنى آخر ؛ ألا وهو هجر الذنوب والمعاصي، وهجر كل طريق يبعدك عن طريق الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ مِن مغربِها» رواه أبو داود، وقال عليه الصلاة والسلام: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه» رواه البخاري، فالمرء الذي يتوب إلى الله توبة نصوحاً، إنما هو مهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنه قد هجر موقع ذنوبه وأسبابها ورحل إلى موقع آخر من التوبة والطهر، حتى يكون أبعد وأنقى وأطهر مما كان.
فالهجرة بهذا المعنى لا تنقطع، ولا ينقطع أجرها وستبقى إلى قيام الساعة؛ وكل واحد منا يستطيع أن يكون مهاجرا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويحصل على ثواب الهجرة وأجرها الكبير إذا هجر الإنسان من قلبه سيئات الحقد والحسد والاثرة والعصبية، إلى جنات الحب والخير والمودة والإيثار، ويكون المسلم مهاجراً إذا كان بطبعه ودوداً رحيماً رؤوفاً يحب الناس ويحبونه ويجمع شملهم، ويلم شعثهم، ويتمنى لهم الخير كما يحبه لأهله وأبنائه.
ومن دروس الهجرة حب الوطن؛ فقد وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة المكرمة ــ التي وُلد فيها وترعرع ونزل الوحي عليه في أعلى قمة من جبالها ــ وخاطبها قائلا: «ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ» وراه الترمذي.
وهذه الكلمات النبويات المباركات تعلمنا أن نحب وطننا ، وأن نحميه بالمهُج والأرواح، لأننا نعيش على ثراه الطهور ونعبد الله تعالى على أرضه آمنين مطمئنين.





الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين