موسى الصبيحي : بعيداً عن لغو الحديث وتعاطف الحليف……… الضمان ومتطلبات الحماية والاستدامة..

عطفاً على ملامح خارطة الطريق التي كنت قد اقترحتها قبل أحد عشر شهراً للوصول إلى ضمان اجتماعي حيوي (Dynamic) وكانت مُسهبة واشتملت على (26) بنداً، فأود أن أؤكد هنا باختصار بأن منظومة الضمان الاجتماعي في الأردن إذ تُعدّ الركيزة الأهم للحماية الاجتماعية، مما يوجب علينا جميعاً الحفاظ عليها والاستفادة منها دون جور أو مبالغة ودون تبذير أو تقتير وعبر توزيع مُنصف لأبناء المجتمع بأجيالهم المتعاقبة. فلا بد من الاعتراف بأن الضمان اليوم يواجه تحديات التغطية والشمولية، والتمويل، وضعف عائد الاستثمار، وضعف الحاكمية الرشيدة، وتبنّي عدد من السياسات التأمينية والاستثمارية التي تحتاج إلى مراجعة وتصويب، إضافة الى التحديات المتعلقة بتشوّهات سوق العمل، وتوسّع قطاعات الأعمال غير المنظّمة، وعدم الاستقرار التشريعي، وضعف ثقة المواطن بمؤسسته، وكلها ذات أثر سلبي على مستقبل الضمان واستدامته مالياً وتأمينياً واجتماعياً.
من هنا فإنني أنادي بأعلى الصوت بضرورة العمل العاجل على تصويب عدد من المسارات والسياسات التي انتهجها الضمان بشقيه التأميني والاستثماري خلال السنوات الخمس الماضية، ولا سيما ما يتعلق بإلغاء ازدواجية الاشتراك بالضمان لمن يعمل لدى أكثر من منشأة، وتخفيض الاشتراكات على بعض القطاعات، أو تعليق تطبيق تأمين الشيخوخة على قطاعات واسعة من المؤمّن عليهم، أو التوسّع في حالات السماح للأردنيين بسحب اشتراكاتهم، أو الانحراف بتأمين التعطل عن العمل عن غاياته الأساسية، إضافة إلى تحدّي السعي لتطبيق التأمين الصحي الذي يحتاج إلى دراسة مستفيضة لضمان تطبيقه بكفاءة وديمومة مستقبلاً ودون أن يؤثر سلباً على النظام التأميني والمركز المالي للضمان، وتصويب مسارات الحكومات بضرورة التوقف تماماً عن الإحالة على التقاعد المبكر لموظفي القطاع العام، الأمر الذي يزيد العبء المالي التقاعدي على الضمان ويُخلّ بتوازن مركزه المالي، وإعادة توزيع المحافظ الاستثمارية بطريقة متوازنة تراعي تنويع الاستثمار وتوزيع حكيم للمخاطر، وتفعيل دور صندوق استثمار أموال الضمان في خلق فرص العمل المباشرة، ومضاعفة العائد على الاستثمار في ضوء ارتفاع معدلات التضخم السنوية.أما من ناحية دور الضمان أثناء جائحة كورونا، فبالرغم من الدور الإيجابي، إلا أنه تم المبالغة فيه بشكل كبير، تجاوز حدود المعقول إلى الجور على أموال الضمان، حيث ناهزت المبالغ التي تم إنفاقها على برامج تدخلات الضمان خلال الجائحة أل ( 850 ) مليون دينار، وجزء منها مع الأسف غير مسترد كما قيل، أي أنفقت على سبيل التبرع، ناهيك عن فوات استثمار هذه المبالغ وضياع عائدها الاستثماري، ولم نكن بالتأكيد ضد أن تتدخل مؤسسة الضمان لمساعدة القطاع الخاص والمجتمع خلال الجائحة، لكن كان يجب أن يكون هذا التدخل مدروساً بعناية وفي سياق ما يسمح به قانون الضمان، وذلك من خلال صندوق التعطل عن العمل الذي كان يتوفر فيه حوالي (380) مليون دينار أواخر عام 2019، أي قبل دخول الجائحة بثلاثة أشهر تقريباً، لكن التعديل التشريعي للقانون عام 2019 الذي سمح للمؤمن عليهم بالسحب من أرصدتهم في صندوق التعطل لغايات العلاج والتعليم أدّى إلى إضعاف الصندوق حيث تم سحب حوالي ( 180 ) مليون دينار منه، مما أضعف قدرة المؤسسة على التدخل وفقاً للقانون، ودفعها إلى الصرف على برامج الجائحة من صناديق أخرى مثل صندوق تأمين إصابات العمل حيث تم صرف حوالي (100) مليون دينار من هذا الصندوق لبرنامج استدامة وحده، مما يعد في نظري مخالفاً لأحكام المادة ١٩/ب من قانون الضمان التي نصت على أنه( لا يجوز الإنفاق من أموال المؤسسة إلا لما يقتضيه تطبيق أحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه). وأنه لا يجوز تعطيل العمل بهذا المادة تحت أي ظرف.أما ما يتعلق بالفوائض التأمينية فقد بدأت تتراجع اعتباراً من عام 2020 فقد انخفضت بشكل كبير بسبب هذا الإنفاق الجائر وانتهاج بعض السياسات غير السليمة، وبالتالي انخفضت المبالغ المحوّلة من مؤسسة الضمان كفوائض تأمينية إلى صندوق استثمار أموال الضمان، حيث تم تحويل (163) مليون دينار فقط للصندوق خلال عامي 2020, 2021، وفي عام 2022 تم تحويل حوالي (300) مليون دينار، كما تم تحويل فائض تأميني مقداره (165) مليون دينار خلال النصف الأول من العام الحالي إلى صندوق الاستثمار.
وفي هذا الخضم يعاني الضمان من ضعف شديد في العائد على استثمار أمواله، حيث لم يتجاوز متوسط معدل العائد الحقيقي خلال السنوات العشر الماضية أل (2%) وهو أقل من نصف معدل العائد المطلوب اكتوارياً..!هواجس وهموم وحقائق مختلطة تدعونا للتنبيه والنصح وتبنّي سياسات أكثر حصافة في إدارة هذا المرفق الوطني الحيوي بالدولة.. فهل تصل الرسالة..؟! (سلسلة توعوية اجتهادية تطوعيّة وتبقى التشريعات هي الأساس والمرجع- يُسمَح بنقلها ومشاركتها أو الاقتباس منها لأغراض التوعية والبحث مع الإشارة للمصدر).
خبير التأمينات والحماية الاجتماعية الإعلامي والحقوقي/ موسى الصبيحي



















