المهمة الأردنية بما يتعلق بالقضية المركزية الاهم لم تكن سهلة يوماً ، خاصةً مع الواقع الاقتصادي المتأزم ، والاستهداف الممنهج الذي تمارسه حكومة نتنياهو ضد الأردن ، وتراجع الدعم والتنسيق مع بعض الأطراف العربية الوازنة، والاشتباك المستمر مع ملفات ضاغطة كالاضطراب على الجبهة الشمالية والجهد المبذول في كبح وتجفيف أي بؤر او محاولات ارهابية تستهدف الأردن بين الحين والآخر والحرب ضد المخدرات ، لكن المشهد اليوم قد يكون مواتياً للتقدم نحو الأمام لملء فراغ في المشهد بما يخدم المصالح الأردنية العليا ويسند الأشقاء في فلسطين ، استناداً الى أزمة حكومة (نتنياهو) التي دفعته للتصعيد في كل الاتجاهات للإبقاء على سخونة المشهد الداخلي الاسرائيلي تأخيراً لاستحقاق الحساب بدلاً من النزول عن الشجرة وفتح صفحة جديدة بعد ان أثبتت التجارب المتعددة فشل كل مقارباته حد تهديد الكيان برمته، لا لحكومته ومستقبله السياسي فحسب، وهنا تبرز قراءتان على طاولة صانع القرار : أولاً التنسيق المطلق مع واشنطن وحكماً، بالتالي، مع حكومة الكيان للخروج من مأزق اليوم – في انتظار التغييرات العميقة الحتمية المرادة على مختلف مستويات الكيان – ولكن دون أثمان أو تنازلات اسرائيلية، أو بالحد الأدنى منها، والتي قد تأتي على مستوى التحسين الطفيف لواقع قطاع غزة المعيشي، وإعادة ترتيب مدخلات وسياقات (السلطة/ الحكومة الفلسطينية) وعودة بعض الدعم المالي (لرام الله) ، وهو مايرفضه الأردن كحل جذري إدراكاً منه أنه لن يفضي إلا إلى تأجيل الانفجار بدلاً من معالجة أسبابه بشكل تام، وثانياً هناك قراءة تستند إلى ضرورة استخدام أوراق القوة والتأثير كافة ، بل وتعظيمها، عبر مقاربةٍ تؤكد ضيق الأردن بالواقع واستعداده للمواجهة ، استناداً الى مد شعبي جارف داعم لأي سياسة مماثلة، وإلى أزمة معظم الأطراف ، وإلى إدراك الأمريكي أن تفجر الواقع سيجلب الدمار لمصالحه في وقت لايحتمل معه أي خسارة، ويدرك فيه ان عليه تقديم تنازلات والقبول بتغييرات واسعة على مستوى المنطقة تمنح دولها قدرةً على إيجاد حلول لأزماتها التي باتت تهدد كل شيء.
يدرك الأردن ، الرسمي والشعبي، أن زوال الاحتلال وتحرير كل فلسطين هو الحل الحقيقي لمعظم أزمات المنطقة ، وليس تغيير واقعه انزياحاً نحو اليسار أو عبر تثبيت محدداته كدولة (عصرية ديمقراطية!!!) ، فالخطر هو في وجوده بحد ذاته أياً يكن شكله ومن يحكمه، ولكن طالما يجد الأردن الرسمي نفسه مضطراً للتعاطي مع الواقع سياسياً وعبر توسيع هامش القدرة والتأثير ، ما الذي يمنع من استخدام كل أوراق قوتنا، ومن توسيع التأثير الشعبي الوازن في الملف ؟ ولماذا لا تكون رسائل التصعيد او التهديد التي تصل العدو من حكوماتنا معلنةً مدوية، يوازيها فعل هنا وتصعيد هناك وتمتين لواقعنا الداخلي وخياراتنا ؟
ثمة فرصة اليوم ، وعدونا لايفهم إلا لغة القوة والقدرة ، ووطننا في مأمن بفضل قواتنا المسلحة ووعي شعبنا واستعداده للدفاع عنه بالمُهَج والأرواح، فلنرفع السقف … وليروا (العين الحمرا) .