ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين خطابا تاريخيا بمناسبة احتفالات المملكة بعيد الجلوس الملكي الخامس والعشرين واليوبيل الفضي لتوليه سلطاته الدستورية، حيث أسهب جلالته في وصف الحالة الأردنية الفريدة والمنجزات التي قام بها الأردنيون برجالهم ونسائهم وشبابهم بعزائم صادقة وهمم لا تلين، مبدعا في وصف الأردني الجندي الذي يحمي الحدود، والطبيب الإنسان الذي لم يتردد في تقديم المعونة لأشقائه تحت القصف ووسط المعارك، والمعلم الذي يؤدي رسالته في التعليم بنبل أصيل ليربي جيلا أردنيا صاعدا.وبالعودة إلى السابع من شهر شباط من عام 1999 عندما تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية، فقد كان لزاما عليه أن يقسم يمينا دستورية أمام مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب الذي التأم برئاسة رئيس مجلس الأعيان، بأن يحافظ على الدستور وأن يخدم الأمة، وذلك عملا بأحكام المادة (29) من الدستور.وها هو اليوم وبعد خمسة وعشرين سنة في الحكم يقوم جلالة الملك المفدى بتجديد نذوره الدستورية ويعيد فحوى اليمين التي أقسمها عند توليه العرش وذلك أمام شعبه المحب بأطيافه الشعبية والسياسية والعسكرية. فأعاد العهد والوعد بأن يحافظ على المبادئ العليا التي يقوم عليها النظام الدستوري في الأردن، وأن يخدم شعبه وأمته.وقد تمثل حرص جلالة الملك في المحافظة على الأردن بنظامه السياسي والدستوري بقوله «إن هويتنا الوطنية الأردنية كانت وستبقى مصدر ثبات وقوة تجمعنا في مواجهة الأخطار وبها حمينا مسيرة الدولة والمجتمع، وخلف الراية توحدنا في مواجهة الخوارج وأصحاب الفتن، وتجاوزنا فوضى الإقليم فكانت حماية الأردن من نيرانها أولويتنا».فهذا البوح الملكي بأن الهوية الوطنية الأردنية هي أساس قوة الدولة والمجتمع لهو إشارة ملكية واضحة وصريحة بأنه مستمر في احترام الدستور الوطني والمحافظة عليه. فهويتنا الأردنية التي يتعهد جلالة الملك بالحفاظ عليها مرتبطة ارتباطا وثيقا بقيم المواطنة وسيادة القانون التي تمت الإشارة إليها في المادة (6/7) من الدستور بالقول «تكفل الدولة تعزيز قيم المواطنة والتسامح وسيادة القانون». فهذا القول يعد تأكيدا حقيقيا على أن جلالة الملك ملتزم بالحفاظ على الدستور بثوابته ومرتكزاته الأساسية، وذلك كجزء من اليمين الدستورية التي أقسمها عند توليه العرش.أما قول جلالة الملك بأن حماية الأردن من نيران فوضى الإقليم من صميم أولوياته، فهو دليل جديد ومظهر إضافي على التزامه بالمحافظة على الدستور الأردني الذي أقسم عليه في عام 1999. فالمادة الأولى من الدستور تنص على أن «المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ملكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه»، وهو العهد الذي أخذه جلالة الملك على نفسه أمام الحضور بأن يحمي الأردن ويحافظ على كيانه المستقل الذي لا يقبل التجزئة وذلك في مواجهة الأخطار الخارجية التي تحيط به.وفيما يتعلق بالجزء الثاني من اليمين الدستورية التي أقسمها جلالة الملك «بأن يخدم الأمة»، فقد تضمن خطاب جلالته العديد من الإشارات التي تعد تجديدا لهذا العهد. فقد أشار جلالته بكل فخر واعتزاز بالقول «أقف اليوم بين شعب عظيم شامخ، تشرفت بأمانة خدمته، وكلي فخر بأن أكون أردنيا، فالأردن هو إنجاز في أقسى الظروف، ومثابرة في أصعب الأوقات، وثبات على الحق في أشد المواقف، وعهدي لكم أن يبقى الأردن حرا عزيزا كريما آمنا مطمئنا».فبهذه العبارات التي عبّر فيها جلالة الملك عن فخره بأنه أردني، يؤكد بأنه قد تشرف بخدمة شعبه العظيم وبأنه سيستمر في عمله هذا، معاهدا الجميع أن يبقى الأردن عصيا على كل الطامعين، وحرا أبيا ونبعا نقيا مهما طال الزمن واشتدت المحن والصعاب.إن المعاني والدلالات الحقيقية لما جاء في خطاب جلالة الملك أمام شعبه في اليوبيل الفضي لتوليه عرش المملكة، تشكل تجديدا لليمين الدستورية التي أقسمها جلالته بأنه سيبقى وعلى الدوام محافظا على الدستور ومخلصا للأمة.أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة