د. موفق محادين
بانتخاب الاعلامي، عامر التل، رئيسا للحزب السوري القومي الاجتماعي، يكون التل أول أردني يترأس حزبا عربيا خارج الأردن، وهو ليس أي حزب، بل حزب دخل معترك الصراع السياسي والعسكري على مستوى الإقليم كله، وقدم آلاف الشهداء خلال هذا المعترك، مما يرتب على أي شخص يتولى قيادته، مسؤوليات غير عاديه، وخاصه في ضوء التجاذبات المعقده وخلفياتها الإقليمية والدولية، كما في ضوء اتساع الحرائق السياسية والعسكرية في واحدة من أخطر بؤر التوتر في العالم، فماذا عن هذا الحزب وعقله ومؤسسه، سعاده وماذا عن تاريخه، بغض النظر عن التباينات والتيارات التي عرفها ولا يزال.
ولد انطون سعاده في الشوير _ لبنان 1/3/1904 وتنقل مع والده، الدكتور خليل، بين المشرق وأمريكا اللاتينية، قبل أن يستقر في لبنان ويعمل استاذا للغات في الجامعه الأمريكية، والأهم صياغته لمشروع (القومية السورية) ودولتها على مستوى الإقليم.
وهو المشروع الذي جاء كما يقول، ردا على اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، مما قاده إلى ملاحقة أكثر من جهاز ودولة واعتقاله وإجراء محاكمة صورية قصيرة له، استشهد بعدها على منصة الإعدام بتاريخ 8/7/1949 رافضا عصب عينيه ومرددا: تحيا سوريا، الحياة وقفة عز.
وكانت حكومة رياض الصلح قد اعتقلته بعد محاولة اغتيال فاشله في الجميزة في بيروت بمشاركة حزب الكتائب، واختفائه في سوريا، حيث سلمه رئيسها حسني الزعيم (قتل الزعيم بانقلاب عسكري، وقتل الصلح على يد اعضاء في الحزب السوري القومي، بإطلاق النار عليه وهو في طريقه إلى مطار ماركا – عمان).
أسس سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي بتاريخ 16/11/1932 وفق الأفكار التالية:
- سوريا للسوريين والسورين أمة تامة.
- سوريا سيف العالم العربي وترسه.
- القومية السورية كما وردت في كتابه، نشوء الأمم، مناهضة للأفكار العنصرية والمذهبية، فالسوري هو كل من عاش في الإقليم السوري بغض النظر عن جذوره المذهبيه أو الإثنية.
- يتكون الوطن السوري من سوريا الطبيعية (سوريا الحاليه أو الشام، لبنان, الأردن، وفلسطين و الأراضي المحتلة الواسعة من قبل تركيا) ومن القسم الأعظم من العراق والكويت وسيناء وكامل المياه الإقليمية لشرق المتوسط بما فيها قبرص.
- فكرة المتحد الاجتماعي – الثقافي.
- فكرة التعاونية الاجتماعية (الإشتراكية التعاونية).
- العلمانية الشاملة، بفصل الدين عن الدولة والسياسة.
- المساواة المطلقه والتامة بين الجنسين.
- الخطر اليهودي هو موضوع التناقض التناحري (صراع وجود لا حدود) أي سوريا الواحدة الموحدة وفق التعريف المذكور مقابل المشروع العدواني الاستيطاني (اسرائيل الكبرى) وما سماه أيضا من المتعاونين العرب مع هذا المشروع ( يهود الداخل) وقد ظل القوميون السوريون من أشد المقاومين لكل مشاريع واشكال التسويه مع العدو الصهيوني.
- فكرة المدرحية (المادية – الروحية) وجذرها العقل الرواقي السوري القديم كما عند زينون ومدرسته (مفكر عاش في اليونان من أصل سوري).
- تركيز سعادة على الثقافة (الفكر والآداب والفنون المختلفة) مما يفسر التفاف العديد من المثقفين الكبار المجددين حوله، وخاصة شعراء وأدباء مثل أدونيس في بداياته والماغوط وكمال خير بك وشرابي وحاوي وزكي ناصيف وضاهر ونصار وغيرهم بالإضافة للأجواء العامه للرحابنة.
- على الصعيد التنظيمي، يعد حزب سعادة من الأحزاب العربية القليلة التي لا توجد فيها قيادات (قطرية) بل هو عباره عن صيغه مركزيه على مستوى الإقليم، ولا يجوز لرئيس الحزب أن يترشح أكثر من دورتين متتاليتين.
قدم الحزب آلاف الشهداء في المعارك الوطنية التي شهدتها لبنان وسوريا منذ عام 1975:
- معارك الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في مواجهة القوى الانعزالية (الكتائب وجناحها العسكري الذي استقل عنها لاحقا، القوات اللبنانية).
- المعركة التي أسقطت اتفاق 17 آيار بين العدو الصهيوني والقوى الانعزالية، وكان الحزب قد دشن هذه المعركة بعملية الشهيد خالد علوان في الحمرا 1982 وكذلك العمليات الاستشهاديه لسناء محيدلي ورفقائها.
- المعارك الكبرى التي تصدت فيها سوريا وتحالف المقاومة للتحالف الامبريالي – الصهيوني – الرجعي – التكفيري – العثماني.
إلى ذلك، وفيما يخص فكرة الإقليم السوري كإطار جغرافي تاريخي لمتحد اجتماعي – ثقافي، فدونها تاريخ تباينت مقارباته، بين القوميين العرب الذين وضعوا هذا الإطار داخل القوس العربي الواسع من المحيط إلى الخليج، وبين القوميين السوريين الذين تعاملوا معه في إطار القوس الشامي – العراقي (حضارات أكد وسومر – بابل – آشور – الكلدان – اوغاريت – كنعان والفنيقيون – آرام – والأنباط الذين أسسوا عمليا الايلاف المعروف وكذلك الأبجدية العربية).
كما كان اسم سوريا نفسها، موضع سجال بين الباحثين نظرا لتشابكاته الحضارية (سوريا – العراق) واللفظية مع آشور ولا سيما حسب المصادر الاغريقية (هيرودوت) كما ظلت حدود الإقليم موضع سجال أيضا ظهر لاحقا بمستويات مختلفه، ومن ذلك مشاريع: عبد الرحمن الشهبندر (سوريا الحالية) ومشروع الهلال الخصيب الذي طرحه نوري السعيد (الأصل في هذه الفكره يعود للمؤرخ الأمريكي، بريستيد) والمشروع الأردني (سوريا الكبرى).
وكانت هذه المشاريع بخلاف مشروع سعادة، مشاريع مفرغة من مضمونها الاجتماعي الثقافي، وبالأخص مفرغة من مضمونها الكفاحي ضد الخطر الصهيوني.