بقلق مشروع، استقبل العراقيون انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، مستذكرين مواقفه السلبية السابقة ازاء العراق، في انتظار تبلور ملامح سياسته عقب استلامه زمام البيت الأبيض، وخاصة المفاوضات مع إيران، وتداعياتها الأكيدة على الساحة العراقية، وسط تصعيد غير مسبوق لنشاطات تنظيم “داعش” الإرهابي في المدن العراقية، واستمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
وقلق العراقيين من الرئيس الأمريكي الجديد، لم يأت من فراغ، إذ تعج ذاكرتهم بالكثير من المواقف السلبية لبايدن تجاه بلدهم والتي تمثلت بتأييده الحرب على العراق عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، ومساهمته في تفاهم أمريكي إيراني لترجيح كفة كتلة نوري المالكي الشيعية على ائتلاف الوطنية بقيادة أياد علاوي في رئاسة حكومة بغداد بعد انتخابات عام 2010 رغم تقدم الأخير، إضافة إلى دعوة بايدن لتقسيم العراق، إلى ثلاثة كيانات تضم السنة والشيعة والأكراد ومنحهم وضعا مستقلا سياسيا وجغرافيا في إطار فيدرالي، مدعيا إن ذلك هو الخيار الأفضل للعراق وللمنطقة ولحماية مصالح واشنطن.
والحقيقة أن مواقف القوى السياسية العراقية تجاه خطة بايدن لتقسيم العراق متباينة، بين رفض شيعي للتقسيم، من أجل الاستمرار بالهيمنة على كل العراق، وبين مواقف مشجعة للفكرة من قبل القيادات الكردية الباحثة عن أي فرصة لتحقيق حلمها بإنشاء دولة كردية مستقلة، أما القيادات السنية فتتوزع بين قبول أي مشروع يخلصها من الهيمنة الشيعية على محافظاتها المدمرة، وبين قيادات سنية فاسدة تسعى لاستثمار التقسيم لمزيد من نهب ثروات تلك المحافظات.
تحليلات وتوقعات الباحثين في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عكست بدورها مخاوف حقيقية من احتمال تمسك بايدن بدعوته التقسيمية السابقة وعدم مراعاة التطورات الحاصلة من تجاوز النزعات الطائفية والعرقية لدى الشارع العراقي عموما، وخاصة بعد انتفاضة تشرين التي أعادت الهوية الوطنية ووحدت المكونات ضد فساد وتبعية أحزاب السلطة، المسؤولة عن تقسيم العراق طائفيا وعرقيا. وفيما أشارت التعليقات إلى ان السياسة الأمريكية لديها مصالح استراتيجية لا تتغير بتغيير الرؤساء، فإن الجميع يتفق على ان السياسة الأمريكية في جميع الأحوال، ألحقت الأذى والدمار بالعراق، وجعلته ساحة صراع أمريكي إيراني من أجل مصالحهما بعيدا عن مصلحة للعراقيين.
وكالغريق الذي يتمسك بقشة، تتنازع العراقيين آمال ضئيلة، بأن بايدن الذي تعهد في خطاب ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية بوضع إستراتيجية لحل عدة أزمات يشهدها العالم حاليا، وكونه زار العراق نحو 25 مرة، التقى خلالها معظم الساسة العراقيين ويعرف طريقة تفكيرهم وارتباطاتهم، قد تكون لديه خطة مناسبة حول العلاقة مع العراق ومواصلة الحوار الإستراتيجي بين البلدين، واضعاف نفوذ إيران في الشؤون العراقية. ولذا حضيت دعوة بايدن خلال سباق الانتخابات، بإجراء حوار مع إيران بعد توليه الرئاسة الأمريكية، بالاهتمام لأنها قد تكون مفيدة للعراق، الذي لم يستفد من سياسة ترامب تجاه إيران بل على العكس فإن ضغوطه على طهران انعكست بزيادة النفوذ الإيراني في العراق عبر تصاعد تأثير الميليشيات الولائية فيه وتحديها للدولة، والتغلغل اكثر في الاقتصاد العراقي لفك عزلة إيران. والأمل الآن هو انه في حال تم التوافق الأمريكي الإيراني على عودة مشروطة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها، ان يكون ذلك مقابل استحقاقات على إيران تسديدها، منها تقليص نفوذها وأذرعها وإثارتها للمشاكل في العراق ودول المنطقة.
وفي خضم اهتمام العراقيين بتداعيات الانتخابات الأمريكية على بلدهم، لوحظ تصاعد خطير لأعمال خلايا تنظيم “داعش” في العراق الذي أعلنت حكومة بغداد القضاء عليه عام 2017. فقد تواصل شن الهجمات على المراكز الأمنية في عدة محافظات، آخرها هجوم الرضوانية قرب مطار بغداد، وهو الأقرب إلى العاصمة منذ سنوات، عندما هوجمت نقطة أمنية للجيش من قبل مسلحين ما أدى إلى مقتل عسكريين ومدنيين، إضافة إلى هجمات مماثلة في محافظات أخرى، مع ازدياد عمليات زرع عبوات ناسفة قرب النقاط الأمنية في المناطق النائية والقرى وعلى الطرقات الخارجية، التي يسفر انفجارها عن سقوط ضحايا جدد، كما كررت عناصر مسلحة أخرى قصف القرى بقذائف الهاون أو خطف مواطنين في مناطق من محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وغيرها عثر على جثث بعضهم لاحقا، إضافة إلى عمليات اغتيال ثلاثة من ناشطي التظاهرات خلال أسبوع واحد.
وإذا كان الموقف الرسمي يحمل تنظيم “داعش” المسؤولية عن الهجمات الأخيرة، فإن هناك رأيا آخر يفيد بأن بعض تلك الهجمات تقف خلفها فصائل مسلحة متمردة على الحكومة وبدفع من قوى سياسية منافسة لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، من أجل الضغط عليه لتغيير بعض سياساته وخاصة الانفتاح على أمريكا والمحيط العربي ومحاربة الفساد ومحاولة نزع سلاح الفصائل، من دون استبعاد ان التصعيد الأمني الأخير، هو رسالة إلى الرئيس الأمريكي الجديد بضرورة التعامل مع إيران وإجراء المفاوضات معها للتخفيف من الضغوط الأمريكية وبضمنها بحث علاقة الطرفين على الساحة العراقية.
ولا نغالي إذا قلنا بأن أوضاع العراق في ظل ترامب كانت في اسوأ حالاتها، حيث وصلت إلى حافة الانهيار الشامل في ظل هيمنة أذرع إيران على كل مفاصل الحياة العراقية، ومحاولات إلغاء دور الدولة لصالح الدولة العميقة وأجنداتها الإقليمية، وتعميق الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وبالتالي فإن أملا ضئيلا يراود العراقيين بأن تكون سياسة بايدن أقل ضررا على العراق وأهون الشرين، على الأقل في عقد اتفاق مع إيران يحد من هيمنتها على شؤون العراق عبر أذرعها المتنامية. للقدس العربي