بعد عقد ونصف العقد من التدخلات السياسية والأمنية الإيرانية في بعض العواصم العربية والتي رافقت انطلاقة الربيع العربي، وبشكل خاص في كل من سوريا ولبنان تعود طهران ادراجها لتنكفئ على الداخل بكل فسيفساء تنوعه السياسي والعرقي، وذلك بعد أن عرّت سياستها الخارجية الصورة الحقيقية للنظام الإيراني، وكشفت مصالحه الاستراتيجية الثابتة في المنطقة العربية وذلك في السعي الدائم نحو الهيمنة الإقليمية، ومحاولة قيادة العالم الإسلامي تحت راية المذهب الشيعي، وفي هذا السياق لا يمكن استبعاد الأسباب الحقيقية وراء سعي طهران نحو امتلاك القدرة النووية، وقد فعلت، وتطوير تلك القدرة لإمتلاك سلاح نووي في المستقبل، وقد تفعل.عاشت إيران حالة من النشوة والتبجح خلال الفترة الماضية عند ذكر احتلالها لـ ٤ عواصم عربية في فترة ما، وقد يكون للتراخي الرسمي العربي دور في ذلك، إلا أن هذا لا يمنحها أو غيرها الحق في ذلك، ومع ذلك لم تتصرف إيران بنضج ولا بما يُفترض أن تمليه عليها حقوق الجيرة. كانت سياستها عدائية تجاه كل ما هو عربي وسنّي بالدرجة الأولى، ونجحت إلى حد ما باللعب على صمامات التوازنات الداخلية سواءً العقائدية أو الفلسفية أو العرقية، كما وأسست حواضن تدجينية لكل ما هو شيعي-فارسي مستخدمة المظلة الشيعية لتجمع تحتها كل الرؤوس المائلة ومنقوصة الفكر والحميّة.على الرغم من العلاقات الدبلوماسية الوطيدة والتي جمعت الأردن وإيران اثناء حكم الشاه محمد رضا بهلوي، إلا أن قيام الثورة الإيرانية نسف تلك العلاقة ويضاف له موقف الأردن من اندلاع الحرب مع العراق، إلا أن وفاة الخميني ١٩٨٩ مهّدت لعودة العلاقات عندما قام الأردن بغلق مكاتب حركة مجاهدي خلق في عمّان وقطع العلاقات بهم. ودائمًا ما كانت العلاقات بين مد وجزر وفقًا للمتغيرات والاحداث التي جرت في المنطقة، انطلاقًا من الحرب الخليجية الثانية، وتوقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، والانتفاضة الفلسطينية الثانية ٢٠٠٠، وغزو العراق ٢٠٠٣، والربيع العربي ٢٠١١.إن احترام سيادة الدول وقراراتها يعتبر معيار ديمومة العلاقات ونموها، إلا أن إيران في كثير من الحالات كانت تتصرف أو تحاول أن تتصرف باعتبارها الوصية أو الأب الأكبر للدول الاخرى. الأردن كغيره من الدول يرفض أي مساس بسيادته كما يرفض أي محاولات استعراض وزن زائد من القوة أو تمارين اظهار مزيد من النضج السياسي أو الاستراتيجي الزائف.من سلبيات الربيع العربي إدخال إيران للمنطقة العربية من أوسع ابوبها، وانشغال الدول العربية الكبرى بسياساتها الداخلية خاصة تلك الناتجة عن الربيع العربي، أو تلك المقاومة له، وهذا انتج حالة عربية هشّة جعلت من بلدان الربيع العربي أرضاً خصبة لبذور التفرقة الدينية والعرقية التي زرعتها وروتها إيران، والتي أنتجت مجاميع عسكرية وعقائدية، وتصورت نفسها في موقف المدافع عن ماضٍ طويل من التهميش والمظلومية.لقد عانى الأردن بشكل خاص من الجماعات المسلحة الإيرانية أو تلك التي تدين بدينها والتي اخذت من الجنوب السوري مقرًا لها لإنتاج اسوأ نموذج عدائي متسلحًا بالتضليلات السياسية والإعلامية المزعومة عن مستوى العلاقات الأردنية–الإسرائيلية ودورها في مقاومة المشروع الإيراني. كما أنتج النظامان الإيراني والسوري السابق السموم البيضاء تلك التي يحرمها ديننا ومذهبهم من اجل إغراق الأردن ودول الخليج العربي بالمخدرات لتفكيك وتفتيت الشعوب وتقويض المؤسسات، وذلك بسياق من اعمال العصابات والمافيات الإجرامية. حيث شهدت هذه المرحلة حالة من تشنج العلاقات بين البلدين بالرغم من دور الدبلوماسية المكوكية الأردنية والتي ادارت المعركة السياسية باقتدار، وعند ذكر الدبلوماسية لا يمكن القفز عن بلدوزر الدبلوماسية العربية، الوزير الأردني الصفدي، والذي بلا منازع قد يكون من اقرب السياسيين من منصب رئيس الجامعة العربية المقبل. ومن مظاهر توتر العلاقات ايضًا والناتج عن ارتدادات الوجود الإيراني تلك الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا وبعض منها على اماكن تواجد خلايا من الحرس الثوري، حيث ردت إيران بإطلاق المسيرات والصواريخ في حالة من محاولة انتهاك السيادة والأجواء الأردنية، ووجدت مقاومة سيادية أردنية عنوانها نظافة الأجواء وليس حماية إسرائيل، فالأردن لا يدافع عن إسرائيل، بل يدافع عن سيادته وأجوائه.بعد التحولات الجذرية الأخيرة في لبنان وسوريا، واضمحلال التواجد الإيراني في سوريا وخصوصًا في الجنوب، وقناعة إيران أن سياساتها الخارجية في المنطقة لم تعد صالحة للاستهلاك المحلي والاقليمي، فمن الممكن أن يسهم هذا في تحسن العلاقات الثنائية، أو حتى الجماعية من وجهة نظر عربية موحدة. إن استعراض التاريخ الدبلوماسي الأردني يعطي نتيجة مفادها أن ميزان العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الدول يعتمد على معايير الاحترام المتبادل، واحترام سيادة الدول وعدم الإضرار بها، والكف عن محاولات لعب أدوار الأبوة أو الوصاية.ليس في مصلحة الأردن خلق أو توسيع دائرة العداوات، فالسياسة الخارجية الأردنية متوازنة ورصينة وتتسق أهدافها ومبادئها مع المنظمات العربية والإسلامية والدولية، وقبل هذا وذاك مع مصالحها الوطنية العليا.ومن جهة أخرى، تدرك إيران أن شمسها قد أفلت، ولا يمكن العودة للوراء، ومما يسهم في تجذير هذا، هو الدرس الذي تعلمه العرب من اخطائهم، وذلك من خلال سرعة ردة الفعل في ملء الفراغ الذي احدثه سقوط النظام السوري السابق واندثار الوجود الإيراني. اعتقد بشكل متفائل عودة العلاقات إلى سابق عهدها وتفعيل حالات التعاون بدلًا من الصراع خدمة لشعوب البلدين والمنطقة على اساس من الاحترام المتبادل
اترك تعليقاً