المفرد قطروز، ويمكن إضافة ال التعريف. اللفظ، متداول فقط في اللهجتين الأردنية والفلسطينية، وهما عملياً لهجة واحدة. لكن هذا لا ينفي وجود معادل لمفهوم القطروز، من حيث اللفظ وعلى صعيد المضمون، في المجتمعات العربية وغيرها.
في مرحلة الإقطاع، كان القطروز يعمل لدى الإقطاعي، في زراعة أرضه ورعي ماشيته. ويقوم بالمهام ذاتها لدى شيخ القبيلة في البادية، مضافاً إليها استقبال الضيوف وإدارة القهوة، أي صَبِّها. وفي الحالتين، لا يتقاضى القطروز أجراً، فهو يؤدي خدماته مقابل ايوائه واطعامه وحمايته. ولكي يقوم بما يؤمر به بالسرعة الممكنة، يختار القطروز مكاناً في مجلس الشيخ يتيح له سماع كل ما يصدر عنه. وعادة ما يسارع إلى تنفيذ الأوامر بهمة عالية ومن دون نقاش، وهو يردد “عندك يا عمي الشيخ… تامر (تؤمر)”. وكلما طالت خدمة القطروز، يزداد معرفة بما يريد الشيخ، وما يعجبه وما لا يعجبه، وما المطلوب في المناسبات والمواقف المختلفة. فلا ينتظر أوامر، بل يبادر إلى القيام بالمطلوب من تلقاء نفسه، ويبالغ أحياناً في التنفيذ. والهدف دائماً، نيل رضا سيده والفوز بما تجود به نفسه.
وبما أن التغيير من سنن الحياة وثوابتها، فلماذا لا يشمل ذلك دور القطاريز، أقله على صعيد الشكل وإن بقي الجوهر واحداً، في الحاضر كما في الماضي.
فإذا كان قطروز أزمان مضت، ينفذ أوامر ولي نعمته تسبقه عبارة “عندك يا عمي الشيخ”، فإن الرد الجاهز دائماً على ألسنة قطاريز اليوم :”حاضر سيدي” أو “تؤمر سيدي”. وإذا كان قطاريز أيام زمان، يلتزمون الصمت في المجالس إلا عند الرد على ما يؤمرون به، فإن قطاريز اليوم يتصدرون المجالس والندوات واللقاءات.
قطاريز الأيام الخوالي، لم يمتلكوا سوى قوة عملهم وجهوزيتهم لتنفيذ ما يُطلب إليهم تنفيذه. أما قطاريز اليوم، فلديهم ارصدة في البنوك، ويستخدمون سيارات فارهة، ويرتدون بدلات أنيقة، ويشغلون مناصب عليا ومواقع مهمة.
مختصر القول، اتسعت “القطرزة” في حاضرنا، وتشعبت، فأصبحت تخصصات ودرجات. فهناك قطروز سياسي، وقطروز اقتصادي، وقطروز إعلامي وصحفي، وقطروز دكتور أو دكتورة في الجامعة، وقطروز يعتمر عمامة، وقطروز يرتدي عباءة. وهناك قطاريز فئة عليا، وقطاريز في درجات مختلفة أقل.
وليس من حق كاتب هذه السطور، اغفال فرق ينماز به قطاريز الحاضر، ويتعلق بالأداء. فقد كان قطروز الإقطاعي والشيخ يتقزم أمام سيده. أما قطروز اليوم، فيُسمِع ولي نعمته ما يرغب بسماعه، ويبالغ في منافقته وتفخيمه. ومن قطاريز اليوم، من يفاخر بالتبعية العمياء لأسياده ويجاهر بإخلاصه لهم بطريقة مهينة. وعليه، فإن التبدي الأجلى ل”القطرزة” يمكن ملاحظته في مجالي السياسة والإعلام أكثر من غيرهما، لأسباب تتعلق بكونهما مكشوفين في عصر الفضاء المفتوح، مخرجاتٍ وأداءً.
أبرز المؤشرات الدالة على القطروز السياسي، أنه عابر للمراحل والحكومات، من خلال ما يُعرف بالتدوير في المناصب. هذا النوع من القطاريز، يتكلم في السياسة وفي الاقتصاد وفي الإعلام وفي طبقة الأوزون وفي آلية عمل معرشات البطيخ. في إطار القطروز السياسي، يمكن إدراج النائب القطروز أيضاً، الذي يفوز بالمقعد بأساليب ملتوية من بينها شراء الذمم. وبطبيعي أمره، فإن “الألو” تفعل فعلها في التأثير على أدائه ومواقفه تحت القبة.
أما القطروز الإعلامي والصحفي، فالطريق أمامه ممهد للترقي والزيادات المجزية على الراتب، يُضاف إليها الفرص والأعطيات والسفرات وغيرها من الامتيازات.
يلتقي قطاريز السياسة وأقرانهم قطاريز الإعلام، بأن الواحد منهم لا يقدح من رأسه، ولا ينطق عن الهوى. كل ما يصدر عن هؤلاء موجه لتبرير سياسات بذاتها وخدمة مصالح بعينها، ثم قبض الثمن.
لقد مَرَدَ هؤلاء على النفاق، ومع الزمن أصبحوا خبراء في التملق ومسح الجوخ والمداهنة. وتنامت مواهبهم في التقاط الإشارات عن بُعد، وتحديد اتجاه الريح لعزف اللحن المطلوب. منهم من يبالغ في النفاق والتذلل، وبعضهم يحاول النفاق باعتدال. لكننا نعيش في عصر، تتضاءل فيه مُكنة الأقنعة على الإخفاء.
بالمناسبة، هذه الظاهرة لها امتداداتها في أربع رياح الأرض، وإن كان نصيب الدول الديمقراطية منها في حدوده الدنيا.
ويتوافر من الأدلة ما يكفي للقول بأن قطاريز السياسة وقطاريز الإعلام، لا يُراهن عليهم كثيراً. هؤلاء يميلون حيث تميل الريح، ولا مشكلة لديهم بالإنتقال من حضن سيد إلى حضن آخر يدفع أكثر، حسب تقلبات الأحوال والتغيرات. المهم، حجم الثمن المدفوع.
أكثر من يعرف حقيقة القطاريز، أسيادهم. ونعتقد أن نظرة هؤلاء إلى قطاريزهم في السياسة وفي الصحافة والإعلام بخاصة، تتأسس على موقف معروف لنابليون بونابرت، خلال حربه على روسيا عام 1812، أو ما يشبه هذا الموقف. بعد إحدى المعارك، تقدم جاسوس لمصافحة القائد التاريخي. فما كان من ابن بونابرت إلا أن ألقى إلى الجاسوس بصرة مالٍ، قائلاً: “هذا ثمن خدمتك لنا. أما المصافحة، فلا. نابليون لا يصافح أمثالك”.