حوالي الساعة التاسعة والنصف من صباح اليوم الأحد 25 / 9 / 2016 هاتفني الشاعر والوزير السابق جريس سماوي من الفحيص … أذعت حلقة من برنامج حكايا الثورة العربيّة الكبرى عن حماس الفحيصيين المبكر لمساندة الثورة العربيّة الكبرى . مما جرّ عليهم المتاعب مع جمال باشا المرسيني في السلط … هجروا بلدتهم مثل بلقاوية المغاريب وأصبح مسطاح الزبيب وعين العلالي بلقعاً بلا شاغلين … كان موضوع الحديث عن الشاعر جريس سماوي الجد الذي وصف عودة العين إلى مجاريها بعد الثورة … هاتفت الصديق والزميل الاستقصائي الفحيصي سعد حتر مباشرة واستغربت لهجته الحزينة في الرد وانشغاله بحديث مع آخر … احكي لعمتك … بلاش يصير … عاد إلي يقول أنا في مستشفى لوزميلا مع جثمان ناهض … تداعي نبأ المرحوم ناهض حتر على مواقع الشبكة العنكبوتيّة في نفسي مثل غصَّة لا تخرج من الحلق ولا تنزل على الرئة … عرفته في السبعينات من القرن الماضي طالباً مشاكساً لأستاذه فخري قعوار . اشتد عوده بعد دراسة الفلسفة في الجامعة الأردنيّة … ماجستير فلسفة في الفكر السلفي المعاصر … كلّفه رأيه في الفكر القومي الكثير … سجن أكثر من مرّة … تعرض لضرب مبرح وخسر 240سم من أمعائه الدقيقة … أكمل علاجه في بيروت وهناك ملأ صحفها مقالات تنصف المرحوم الملك الباني الحسين بن طلال حينما توفي . رد على محمد حسنين هيكل الذي كتب من باب ولا تقربوا الصلاة … كان الرد طويلاً حتى أصبح مشروع كتاب ( الملك حسين بقلم يساري أردني ) .. فيما بعد جمع ناهض حتر 66000 وثيقة لأرشيف الحسين في الصحافة المصريّة واللبنانية أهداها إلى جامعة الحسين بن طلال في معان . أمضى عامين في هذه المهمّة النبيلة وفاء لأربعين عاماً قضاها الحسين في عبور العواصف مع وطنه بما يتيسَّر من الأضرار والكثير من قواعد الصمود والبناء … تحدث عن انفجار المديونية 1988 بإنصاف المحايد ( تشكلت جراء انجازات مادّية ما تزال قائمة … فكان لهذه المديونية ما يقابلها من موجودات مادية ) … اعتبر الإرهاب الديني دماراً لوطن يتداخل نسيجه الاجتماعي منذ زمن طويل . حتى أن يوسف السكّر الدبابنه يضئ مسجد السلط بالقناديل على نفقته … ويتماهى صالح أبو جابر مع مجتمعه عام 1875 … يقبل عبدتين من محمد ابن رشيد شيخ شمر ويعتبرهما ملك يمين وينجب منهما ولدين وخمسة بنات ( كما يوثق الدكتور رؤوف أبو جابر في قصة عائلة ) … لم يكتب ناهض حتر ما يسئ إلى الإسلام بأي وجه من الوجوه . بل هاجم الإرهاب كحركة مقيتة أدت إلى تمزيق الوطن العربي ولم تزل فاعلة في تمزيقه … وهو لم يرسم ذلك الكاريكاتير الذي أقام الدنيا ولم يقعدها … ولعلها كانت خطيئته الوحيدة بإعادة نشر الكاريكاتير على صفحته الشخصّية بفيسبوك ( اعتذر عنها فيما بعد وأزالها عن موقعه ) . فهو يعرف حساسية الموضوع في مجتمع مفتوح على الهواء الالكتروني في الكرة الأرضيّة كلها … لكن مقابلة الكلمة الرأي بالرصاص تحدث في المملكة لأول مرة في تاريخها …. يقول الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب … ناقل الكفر ليس بكافر هذا صحيح ، أن ناقل الكفر ليس بكافر ، بمعنى أن الإنسان الذي يحكي قول الكفار لا يكفر ، وهذا أمرٌ معلوم لأهل العلم ، وحسب النظر أيضاً ؛ فإنك إذا قلت : قال فلانٌ إن الله ثالث ثلاثة ، أو ما أشبه ذلك . فإنه لا يعد ذلك كفراً منك لأنك إنما تحكي قول غيرك انتهى … وقد وردت على لسان بعض أهل العلم، ومن أولئك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية وشيت بن حيدرة في كتابه حز الغلاصم … لا يغيب عن الذهن تسامح مؤسسة العرش منذ المملكة الأولى وحتى الرابعة مع معارضيها الذين حاول بعضهم استعمال السلاح أحياناً … كان هذا التسامح ولم يزل أساس التعايش بين شتى المذاهب والمنابت والأصول … مما يجعلنا نستنكر بشدًّة وإلى أبعد الحدود تصفية الكاتب والمفكر ناهض حتر … ونحن نعتمد في تجاوز هذه المحنة على وعي الأردنيين جميعاً … وقد جاءت بوادره من عشائر الفحيص من مسلمين ومسيحيين في بيت الفحيص حيث أكد النائب فوزي طعيمه أن الجريمة ليست ضربة لعائلة أو عشيرة . بل أنها ضربة للوطن وللديمقراطية وحرية الرأي . وأن المطلوب التصرف بمسؤولية وحكمة . وأن دم ناهض سيكون دعما لنا لمزيد من الوحدة وترابط المجتمع الوطني …. ونحن نعتمد أيضا على القضاء العادل الذي سينزل العقوبة اللازمة بحق القاتل . وقبل هذا الأجهزة الأمنية التي ستلاحق جذور الدافع وراء هذه الجريمة كما حدث مع المجرم الذي قتل شهداء مكتب مخابرات البقعة … فالإرهاب تعصّب وتطرف إنساني . أخذ من الدين ما يوافق هواه ونسي قول الله تعالى … من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً … رحم الله ناهض حتر وألهم أهله وأصدقائه الصبر والسلوان .