العودة للأرض والالتصاق بها اهم ما نقدمه للوطن بهذه الظروف ( أخر قطف عنب في محافظة الكرك كان ببلدة حمود )

في منتصف شهر شباط تأكل المهندسة الزراعية إيمان البطارسه أخر قطف عنب لتقول لنا نيابة عن الأرض التي لطالما اهملناها أنها هي ملجأنا الأول والأخير وهي خلاصنا من حالة الضياع والتسليع والتعليب التي يعيشها المجتمع الاستهلاكي الريعي الذي يعتاش على فتات الرواتب الشهرية والمساعدات الخارجية والمواد التموينية العابرة للمحيطات والمغلفة بمواد التحنيط الحافظة التي تلوث موائدنا البائسة كل يوم .
هذا القطف من العنب الوطني الذي يمتص المواد العضوية لاجدادنا الأوائل من تراب قرية حمود يقول لنا بأن الارض البكر التي تركناها لنعيش خلف جدران الغرف المغلقة في عقارات اسمنتيه خاوية لا يقل خطورة علينا من لصوص المال العام وناهبي مقدرات الارضْ فعندما اتخذنا قرار القطيعة مع التراث الاجتماعي والزراعي والرعوي لم نكن نحمل ادوات الإنتاج الحديثة خرجنا من مجتمع رعوي زراعي لنقفز إلى مجاهيل عالم الحداثة والانترنت والسوق المفتوح فتحولنا بشكل تدريجي إلى مجاميع من العبيد أمام الصرافات الآلية ومجاميع مع الاذلاء أمام حكومات فاسدة تحول فيها الراتب الشهري إلى عقوبة أبدية يخوض فيها الإنسان معركة البحث عن قوت يومه أمام تدوير القروض والكفالات والرهونات فرهنا أنفسنا ومستقبلنا ومستقبل أبنائنا إلى البنوك التجارية .
منذ سنوات ونحن نسمع ونرى صرخات المهندسة ايمان بطارسه وصيحاتها الصامتة التي تبثها من خلال العمل والارشاد والنصح ونشر المعرفة والدعوات المتكررة لإعادة إنتاج البيت الريفي الذي يؤسس لحالة من الاكتفاء الذاتي والانسجام النفسي والعلاقات الاجتماعية السليمة داخل الأسرة التي يكون عمادها العمل والإنتاج والحوار والاستمتاع بحركة فصول السنة والتحرر الاقتصادي من سلطات النهب والسلب والمكائد.
دعوات صادقة تستحق القراءة في عالم مدهش مليء بكل أسباب البطالة والفراغ والخواء الروحي والنفسي ترافقه حركة عبثية لانتظار الخلاص عبر وهم وظائف الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص يرافقه انزياح أخلاقي خطير عبر تفريغ طاقات الأجيال الفارغة فكريا من خلال العبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبث حالة الاحباط من جانب وممارسة كل أشكال الرذيلة من جانب آخر لتعويض حالة النكوس أمام تلك القفازات الحضارية غير المدروسة.
واقع مرير يستدعي منا الوقوف أمامه وأمام تساؤلاته في محاولة جريئة للرجوع خطوتين إلى الوراء من أجل خطوة صحيحة إلى الأمام.
تحية كبيرة للمهندسة ايمان بطارسه برقان لأنها دوما تحرضنا على الكتابة وتستنهض فينا حالة الانتماء للأرض.
أمجد حباشنة
















