محنة خلق القرآن بين الديني والسياسي

رأى الباحث التونسي الدكتور حمادي ذويب أن محنة خلق القرآن كانت نتيجة صراعات مذهبية بين السنة والمعتزلة أساساً، تعكس صراعاً سياسياً غايته الاستحواذ على السلطة بوجهيها الديني والعلمي.
وبين الباحث، في دراسة منشورة على موقع مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث تحت عنوان "الديني والسياسي في محنة خلق القرآن في القيروان في القرن الثالث الهجري"، أن مسألة خلق القرآن ينبغي "أن تدرس في ضوء صلاتها بكثير من المسائل الكلامية التي ارتبطت بها كصفات الله ورؤية الله، ولا ينبغي إهمال تفاعل هذه المسائل وأصحابها مع الثقافة الخارجية، سواء في عاصمة الخلافة أو في كبرى المراكز العلمية في ذلك الزمن مثل مصر والأندلس".
واستنتج الباحث أن آلية "أمثلة الذات" و"شيطنة الآخر المخالف" قد أثرت في النظرة إلى الآخر فـ"أدت المسائل الكلامية والصراع فيها في كثير من الأحيان إلى الانزياح عن مقاصد رسالة الإسلام ذات التوجه العام لكل البشرية، والتي تبتغي تحقيق المساواة بين المسلمين وإلغاء التفاضل بينهم على أساس القبيلة والعرق، وأضحت المسائل الكلامية تكرس الفوارق المذهبية والاجتماعية، لكن مع هذا فإن معيار الإيمان الذي اعتبره الفقهاء والمتكلمون مقوماً رئيساً يحدد الانتماء للجماعة، ظل ملتبساً يتغير حسب الظروف والسياق والاجتهاد الشخصي والجماعة".
وأشار الباحث إلى أن القيروان كانت بؤرة للتعدد الفكري والمذهبي، حتى "غدت بمثابة المرجل الذي يغلي بالدراسات والمناظرات المذهبية الكلامية والفقهية التي جمعت أهل السنة والمعتزلة والخوارج والشيعة والظاهرية والأوزاعية"، رغم إقراره بندرة المصادر الكلامية الاعتزالية والسنية وضياعها.
وعلى الرغم من ذلك يؤكد الباحث، أن مسألة خلق القرآن في أواخر القرن الثاني الهجري في القيروان كانت مسألة محورية تميز هوية المسلم عن هوية الكافر، ويستدل على ذلك بتكفير أسد بن الفرات بشراً المريسي المعتزلي بوصفه أحد كبار المدافعين عن القول بخلق القرآن.
وبدخول السلطة السياسية على الخط تحولت مسألة خلق القرآن "إلى محنة للناس عامة وللعلماء خاصة" حسب الباحث، ويضرب لذلك أمثلة عديدة لهذا التدخل، منها أن الأمير محمد بن أبي عقال كان يأمر بكتابة السجلات بخلق القرآن ويأمر بقراءتها على المنابر، ويحمل الناس عليها؛ و"لما تولى أحمد بن الأغلب الإمارة سنة 231 ه، نادى من أعلى منابر المساجد بأن القرآن مخلوق. وبدأت محنة بعض العلماء، ففر عدد من الناس إلى أماكن بعيدة عن القيروان"، وصولاً إلى المحطة الرابعة والأخيرة في تاريخ الدولة الأغلبية "ويمثلها أبو العباس عبد الله الثاني ابن إبراهيم (289ه – 290ه)، وقد حكم هذا الأمير أقل من سنة وفي آخرها أعلن عقيدة خلق القرآن. يقول القاضي النعمان: "كان أبو العباس هذا يعنى بعلم الفتيا ويرى رأي أبي حنيفة ويذهب إليه، وينتحل القول بخلق القرآن وكان ذلك مما ينقمه على العامة".
وبين الباحث في الفقرة الثالثة من دراسته أن مفاهيم الغلو والاعتدال والتسامح ليست من مكتسبات العصر الحديث كما يتبادر إلى الأذهان "فالقدامى كانوا يدركون أن الاختلاف والصراع في المسائل الفكرية لا يخرج عن حد الاعتدال عندما يظل في إطار الجدال ولتصنيف، لكنه يخرج إلى حد العنف والغلو حينما يتحول إلى القتال وسفك الدماء والضرب".
وفحص الباحث مستويي التعامل في محنة خلق القرآن بوجهيها العنيف والمتسامح، فبيّن أن مستوى العنف "لم يختص به فريق دون آخر، فأحياناً يكون المعتزلي ممارساً للعنف، وأحياناً أخرى يضحي هو المتعرض للعنف، وطوراً يكون السني هو المضطهد، وطوراً آخر يكون هو المضطهد". وبين أن "تجليات الغلو والعنف تعتبر محدودة ومرتبطة ببعض الفترات التي شهدت تدخلاً سياسياً في هذه المسألة، وأن الموقف العام تميز بالهدوء والاعتدال".
للاطلاع على البحث كاملاً يرجى الضغط هنا:
http://www.mominoun.com/articles/الديني-والسياسي-في-محنة-خلق-القرآن-في-القيروان-في-القرن-الثالث-الهجري-1167



















