كيف تلتهم البدولوجيا حرية الانسان العربي؟

بلكي الإخباري المهدي مستقيم
أدى التعايش بين التراث، والحداثة والتحديث والبداوة والحضارة إلى إنتاج بنى مركبة متناقضة تصل وتفصل الماضي عن الحاضر، وتعمل على إنجاب ثقافة بدوية انطوائية تعمد إلى التتريث (تجديد التراث)، وإخضاع المتعدد للواحد الأوحد مقابل تحقيق الرعاية والحماية. ولأن الإنسان العربي لازال يعيش ضمن هذه البنيات الراكدة والآسنة، التقليدية من حيث العمق والمتطورة من حيث السطح، فإن تعريف البدولوجيا أوالإديولوجيا البدوية على أنها نوع من الثقافة الشاملة السائدة في العالم العربي، والتي تربط عرب البوادي والحواضر بماضيهم وتراثهم الاعتقادي، يتطلب الحفر في ألياتها بغية التعرف على عوائق الحرية وعما يمكن عمله من أجل إنسان عربي أكثر علماً وعلمانية.
من الواضح أن الإنسان العربي لا زال يرزح تحت نير التشظي والانقسام بين ذاتين: ذات مواطنين، وذات رعايا، وهذا راجع لكونه لا زال يعيش ضمن بنيات راكدة آسنة تقليدية متهالكة من حيث العمق، وحديثة متطورة من حيت السطح. إن هذا الانقسام والتشظي ما برح يعم كل مكونات المجتمعات العربية المعاصرة التي تهمش الثقافة العلمية، وتفتح المجال أمام الثقافات البدوية التي تعتمد العصبيات والمذهبيات وأساطيرها، والسحر وتقنياته، وتطمس أدنى بوادر الانتقال التطوري من ثقافة تقوم على تضامن تكراري انطوائي إلى أخرى تقوم على تضامن إبداعي انفتاحي.
إن هذا التعايش بين التراث والحداثة، التتريث RETRADITIONALISATION والتحديث،البداوة والحضارة، أدى إلى إنتاج بنى مركبة متناقضة تصل وتفصل الماضي عن الحاضر، وتعمل على إنجاب ثقافة بدوية انطوائية تعمد إلى التتريث (تجديد التراث ) وإخضاع المتعدد للواحد الأوحد مقابل تحقيق الرعاية والحماية،وتجنب النبذ والاستبعاد والإقصاء. وبالتالي سرعان ما تتحول هذه البنيات إلى معتقلات ذاتية يرتضيها الفرد لنفسه حفاظا على أمنه ومنبع رزقه. ومن تمة فإن العدو اللدود الذي تعمل محركات هذه البنيات جاهدة من أجل محاربته هو روح الانطلاق والحرية، إذ تعتبرهما زيغا عن الثوابت والأصول.
ماهي البدولوجيا؟
تحيل البدولوجيا أو الأيديولوجيا البدوية على نوع من الثقافة الشاملة السائدة في العالم العربي تربط عرب البوادي والحواضر بماضيهم وتراثهم الاعتقادي وتبعدهم عن مستقبل جديد يتجاوز بداوتهم وتفككهم. لا يمكن لهذا النوع من الثقافة أن ينتج لنا سوى حكما بدوقراطيا يبدد ولا يوحد، أي نوع من الحكم يقوم على عقلية بدوية، زراعية، رعوية متخلفة، تراثية بدائية تشكل جداراً أيديولوجيا متينا أساسه تعيين الواحد على بنى المتعدد القبلي، وتغليب التتريث الثقافي الشفهي وغير الوظيفي على التحديث المعرفي العلمي والتقني ومحاربة روح التطلع والإبداع باستثمار فقهاء التزمت.
تعمل البدولوجيا على الحكم بوهم يطغى فيه التكرار على التعليم والابتكار، ويطغى فيه التتريث على التحديث والترهيب على الترغيب، مما ينتج لدى الإنسان العربي نوعاً من القلق، التراخي، الاستسلام، الاكتئاب، الانهزامية، الاتكالية، العدوانية، الغيظ، التطرف، التصلب. وقد وقف الدكتور "خليل أحمد خليل"على الميكانيزمات المحركة لعمل البدولوجيا وركزها فيما يلي:
التأثير المزدوج لرجال السياسة والدين ( التسييس بالتوهيم الديني) في تضليل الجماهير وتخديرها بأوهام وأحاديث موروثة أو ملفقة، للاستحواذ على الحكم بقوة العنف الرمزي، وعمليا بقوة العنف المنظور ( الأمن،الجيش،الإدارة) والمستور (المال، الإفساد،السمسرة) والعنف المقدس(عنف الحاكمين) والمدنس ( قتل المحكومين وهدر طاقاتهم).
مخاطبة الجماهير العربية كما لو كانت قبائل بدوية؛ أية جماعات متفاوتة بحكم تتريث بداواتها حتى داخل المدن الكبرى، مع استبعاد العلم والتعليم العامين، لإدامة التخلف النفسي والاجتماعي، ولإبطاء درجات نمو الذكاء الجماعي، وإبقاء أبواب الهجرة الجماهيرية مفتوحة من الريف إلى المدينة.
الاستقرار الشكلي، الأمني المحض للأنظمة الضاغطة، عبر تمكين الحاكمين من مزاولة حكمهم "مدى الحياة" على محكومين مضغوطين سياسيا، ثقافيا، ونفسيا، سواء من الأنظمة الملكية أو الجمهورية. إنه استقرار شكلي بقدرما هو ناجم عن استمرار الحكم وانحرام المحكوم بمعزل عن إمكانيات تداول السلطة أو حتى المشاركة في إنتاجها، وكأن الاستقرار السياسي مشروط بحكم الواحد المستوهم للمتعدد المستعلم و حتى المتعلم، في تطبيق مقلوب لمطلب " لا حكم إلا الله"، وكأنما الحكومة بين الناس أمر إلهي، قدر واجب لا خيار ولا رأي.
تشكل الدولة على مثال القبيلة
يصعب علينا فهم الأوضاع السياسية في البلدان العربية دون الرجوع إلى الذهنية القبلية، ويكفي أن مفكرا كبيرا كابن خلدون قد تنبه، منذ وقت مضى، إلى أهمية المزاوجة بين العصبية القبلية وبين العصبية الدينية في تشييد الأسس التي تقوم عليها الدولة، وتقوي استمرار وجودها وقوتها أو انهيارها، وفي زمننا الراهن لا زالت أنظمة الحكم العربية تضمن استمرارها باللجوء إلى العصبيات القبلية، حيث نجد في كثير من البلدان العربية استمرار العلاقة العضوية بين النظام الاجتماعي والسياسي وبين القبيلة؛ أي إن الدول العربية لا زالت تتخذ من البدولوجيا مصدرا لإضفاء المشروعية على حكمها الجائر، حيث نجد الحاكم في الدول العربية يسود ويملي ويوجه ويلزم المحكومين بقراراته وبكيفية تنفيذها، يعاقب ويسامح في كل المجالات من الدين مرورا بالأخلاق وصولا إلى الاقتصاد والهندسة ومكانة العلوم وكرة القدم و الروحانيات. يحيط بهذا الحاكم طائفة من المقربين ترفض الظهور إلا لرجل واحد يكون أقرب المقربين من الحاكم، وعادة ما يكون هذا الرجل وزيرا حازما أو مستشارا داهية، وهذا ما دفعنا إلى القول بأن العلاقة بالسلطة في الدول العربية تجد جذورها في القديم
صحيح أن هذه الدول تعرف تكنولوجيا متقدمة في نظم المعلومات والتعامل،وتشهد هياكل تنظيمية اقتصادية و مجتمعية (نوادي ثقافية،جمعيات،أحزاب ونقابات مهنية...) توحي بالتحديث، لكن كل هذه التنظيمات والهياكل تبقى جوفاء عمياء إذا لم ينعشها أفراد. وهؤلاء الأفراد قادة وأتباع، كيف يفكرون، كيف يتصرفون، كيف يتخاطبون؟ إذا كانوا قد نشأوا في أحضان ثقافة القبيلة، وإذا كانت تربية القبيلة هي كل ثقافة الأم، مجسدة في سلوكها وكلامها ونصائحها، ألا يؤدي ذلك إلى تحويل فرع الحزب والنقابة والجمعية وسائر التنظيمات الحديثة في المدينة إلى قبيلة مصغرة تنتج ثقافة الخضوع والانقياد والنية و التوسل؟
على الرغم من أن القائمين على الحكم في هذه الدول لا يبرحون ينادون بحكم المؤسسات وحكم القانون ونظم الإدارة الحديثة إلا أنهم يتصرفون وفق منطق بدولوجي، فلا تخلو أية إدارة عربية من هياكل تنظيمية رسمية تنبع من الأسس العلمية والقانونية إلا أن القوى المحركة لها لا زالت تنبع من الهياكل البدوية التقليدية القائمة على العائلة والطائفة والعشيرة.
لقد أضحى معمر القذافي الذي حكم ليبيا زهاء إحدى وأربعين سنة مثالا واضحا عن هذا الترابط العضوي بين الدولة والقبيلة الذي يختزل الواحد في المتعدد، واحد خيل إلى محكوميه أنه الرجل المنشود طالما أن القبائل العربية تنتج شيوخها لا دولها، وتبحث عن رجلها لا عن حكومتها الحديثة، حيث صورة الرجل المنشود تطغى عندها على مطلب الدولة ورجالاتها، مما أتاح للقدافي قلب دولة الملك إلى جمهورية سماها "جماهيرية"؛ أي لا دولة بالمعنى الدقيق المضاد لمفهوم الدولة، أو بمعنى ديمقراطية القبائل، حيث تكون القبيلة هي الحزب والسلطة والشعب معا. وتكون كلها مختصرة في شخص "ولد الخيمة"، الشرط الأساسي لدوام سلطته كما في قول محكوميه " معمر يا ولد الخيمة...أنت القايد ديما ديما".
من البدولوجيا إلى البدوقراطية
تحتل التقاليد مكانة مهمة في الدراسات التي تهم المنظومة السياسية العربية المعاصرة، حيث تظهر كمعيار من الضروري الاعتماد عليه بالنسبة إلى الشخص الذي يبحث عن الوصول لفهم المحرك التاريخي للفشل السياسي، و تفسير سلوك المنظومة السياسية العربية. من بين هؤلاء نجد "جون واتيربوري" الذي عمل على تفسير سلوك النخبة السياسية بالمغرب في علاقتها بإرث مزدوج " القبيلة" و"المخزن". فحسب "واتيربوري"، فإن ممثلي النخبة السياسية المغربية يتصرفون وفق طريقة تتوافق مع المعايير والقيم التقليدية البدوية خارجة عن إرادة ووعي الفاعلين السياسيين.
كما أكد أن التجارب التي طبقها مجموعة من الباحثين لدراسة القبيلة في الشرق الأوسط، يمكن أن تساعدنا في فهم ردود الأفعال الاجتماعية والسياسية التي تخص المنظومة السياسية المغربية،حيث ظهر تشابه واضح بين الجمود الداخلي الذي يخص القبيلة في الشرق الأوسط، وبين الجمود الذي يميز المنظومة السياسية المغربية.
فالرجوع إلى النظام التقليدي حسب "واتيربوري" هو شيء ضروري، ولا يمكن تفاديه الشيء الذي دفعه إلى تخصيص فصل من كتابه "أمير المؤمنين" للسياق الاجتماعي، والذي يعرض فيه الخصائص المشتركة بين النظام الانقسامي القبلي والنخبة السياسية المغربية.
هذا المعطى الذي أكد عليه واتيربوري يعترض أي باحث يسعى إلى دراسة النخبة السياسية المغربيةبشكلخاصوالعربيةبشكلعام، إذ يجد نفسه مرغما على تخصيص جزء مهم من دراسته لفهم البنيات القبلية، وبالتالي الانتقال من دراسة النخب السياسية إلى دراسة البدوقراطية.
للأحزاب المغربية بنية شبيهة ببنية القبيلة ذات الثقافة العرفية ( دستور القبيلة)، وتوظف هذه البنية من قبل القبيلة كما توظف من قبل الأحزاب بغية إرساء أمرين أساسيين: تعيين الهوية المحلية التي تميز تشكيلا قبليا عن آخر، وإنتاج نمط من التحكيم ( الحكم أو الحكومة) يرأسه شيخ القبيلة ويدبره مدى حياته، وغالبا ما يورثه لأحد من أبنائه ( الابن البكر). هذا الإيلاف القبلي للنخبة السياسية لا ينتج ثقافة سياسية بالمعنى الحديث بقدرما ينتج حكما حصريا أو حاصرا ينفي التعدد والمشاركة في سلطة القرار، طالما أن هذه السلطة تقوم على مؤسسة العائلة المشيدة على ثقافة الحاكم الواحد، وبالتالي ثقافة اللاثقافة وحزب اللاهوية. وفي حال سعى المتعدد إلى إنتاج ثقافة وهوية خارج مرجعية الواحد القبلي يقابل بالاضطهاد والرفض والتهميش، على غرار الأجنبي الغريب عن القبيلة التي يحكمها ويملكها الواحد.
عموماً، يمكننا تلخيص القواسم المشتركة بين النخب السياسية المغربية والنظام القبلي البدوي في ما يلي:
*آلية الانشطار والاندماج كمبدأين ضروريين للحفاظ على التوازن السياسي.
* مفهوم الهوية المرتبط بالوضعية، فالفرد لا يتحدد إلا بالنسبة لوضعية معينة، أو فئة معينة. وبما أن الوضعيات تتغير باستمرار، فإن الهوية تتغير بدورها، حيث "تنشأ داخل الأنساق الانقسامية (في أغلب الأحيان) تكتلات وتحالفات تابعة لترتيب الجماعات السلالية المنحدرة من الجد الواحد. ويمكن للفرد الواحد أن يوجد داخل شبكة من التحالفات المتشابكة والمتعارضة في ما بينها؛ حيث تمارس عليه تأثيرات متناقضة إلى درجة أنها قد تؤدي به إلى الشلل التام. لنأخذ مثلا، فردا ينتمي إلى قبيلة مغربية، نجده ينتمي إلى فئة ذات نسب، لها منافسة مع أنساب أخرى. لكنه ينتمي في الوقت نفسه وعشيرته إلى لف يسعى إلى استقطاب الصراعات على مستوى المنطقة، ولا يمنع هذا من أن تكون العشائر المتحالفة داخل اللف متصارعة في مستوى السلالات. أضف إلى ذلك، أن الفرد نفسه يمكن أن يشارك في أحلاف محلية ضيقة تهتم بالإشراف على حقوق الري وتوزيع الماء إلخ...وتتداخل مع العلاقات السلالية والانتماء إلى اللف".
* ينحدر مفهوم الصداقة من المفهوم السابق، حيث يمكن للشخص أن يكون عدوا أو صديقا حسب الظروف. وبما أن هذه الأخيرة دائمة التحول، فإن مشاعر الصداقة والعداوة تميل إلى السطحية والصفة التعاقدية. فـ "في الوقت الذي تحافظ فيه الأنساق الانقسامية على الوضع القائم، تتميز الوحدات المكونة لها، بحركة دائمة من الابتعاد والانجذاب، كأنها جزيئات تلتحم بجاذبية احتكاكها. وتصبح التحالفات عديمة الاستقرار على العموم، ويسودها نوع من النسبية الأخلاقية، لأن حلفاء اليوم قد يصبحون أعداء الغد،لأن الأعداء الألداء هم قلائل كما بالنسبة إلى من هم أصدقاء مدى الحياة".
* وبسبب عدم استقرار الأوضاع وحركية الفاعلين، فإن رجل السياسة مطالب بالاستعداد لكل الاحتمالات، ومعناه أن يتكهن بمن سيكون صديقا أو عدوا في كل الحالات الممكنة. فلا يجوز إذن، أن تمنح الثقة لفرد واحد، أو فصيل واحد أو قضية واحدة، لأن ذلك قد يتسبب في كارثة حقيقية، بل الأضمن أن يعدد رجل السياسة تحالفاته، حيث "يسعى كل واحد إلى مضاعفة تحالفاته، بدءا ربما بقرابته لتأمين دفاعه، وتأمين أكثر ما يمكن من إمكانيات التدخل ( أو عدم التدخل على السواء). وليس من الضروري أن يكون هنالك هدف مباشر من وراء هذه التحالفات، بل هي بمثابة استثمارات على المدى البعيد، تستوجب اللعب على كل الواجهات لمواجهة كل الاحتمالات. يملي هذا النهج الحذر والتحفظ الذي يستلهم في الواقع كل أنواع النشاط الاجتماعي والسياسي، شعور حاد بنسبية كل انتصار، ونسبية كل صداقة أو عداوة معا".
* وتؤدي المبادرة وطريقة المخاطرة والجرأة إلى العزلة بمجرد أن يطرأ تحول على الأوضاع القائمة .لذلك فمن الأفضل ألا يغامر الفرد أو يتحالف مع ذوي الجرأة. وتغدو المناورات الدفاعية، والتكتيكات، الأساليب الوحيدة التي بالإمكان أن توصف بالتعقل.
* "تتعدد الوسائل للعثور على الحلفاء وتأمين وفائهم،غير أن الديون المالية أو المعنوية تظل في نهاية الأمر من أنجع السبل لتوطيد شبكات الأحلاف ذلك أن المدين، يكون مرغما على التحالف مع دائنه، ولا يمكنه أن يصبح عدوا له بسهولة. تعتبر علاقات الالتزام معقدة ومتعددة الأشكال في المغرب وكل مغربي يلتزم بمساعدة أعضاء عائلته وأقربائه والاعتراف بالجميل لكل من أحسن إليه ومن الصعب جدا على الأجنبي أن يدرك ألغاز كل القواعد الضمنية التي تحدد درجة التزام كل فرد وما يستحقه من جزاء عند تجاوزه قواعد اللعبة، وغالبا ما يبرر المغربي سلوكه بقوله :لم أستطع القيام بكذا، لأن فلاناً عم زوجتي أو لأنه توسط لي للحصول على منحة لابني.
من أجل إنسان عربي أكثر علما وعلمانية
لا سبيل أمام الإنسان العربي من أجل تخطي هذه المحنة سوى تبني مؤسسة العقل و مؤسسة العلم، حتى يجد نفسه أمام فرصة حقيقية لتنوير ذاته بوعيه ولإنتاج علمانيته وحداثته، وإلا سيظل لصيقا بمؤسسة البداوة ومؤسسة إفتاء الأحاديث، وما ينجر عنها من استغلاق سياسي يستبدل المتعدد بالواحد الأوحد.
معيار الحداثة السياسية إذن، هو الانتقال من حزب القبيلة إلى حزب العلمانية التعددية، ونقصد بالعلمانية هنا إحداث قطيعة كاملة مع تلك الأشكال البدوية التقليدية للتربية المتوارثة عن الماضي، ولا نقصد تلك العقيدة الوهمية التي دفعت الشيوعية ثمنا غاليا لاعتناقها في فثرة تاريخية معينة والمتمثلة في "مجتمع كلي الإلحاد"، نقصد بحزب العلمانية التعددية أيضا ذلك الكيان المتشرب لقيم أثينا اليونان، حيث قامت أول ديمقراطية معروفة في الغرب، ومنعت تجديد ولاية الحاكم الأكثر شعبية لدى الجماهير، رغم تفانيه في خدمتها حتى لا يصاب بمرض جوع التسلط، وذلك بفتح المجال لعقلانية عملية تنسف الديكورات والكليشيهات السياسية السطحية وتطور البنية الحزبية ذات البناء القبلي والشكل الحضاري، وذلك انطلاقا من مدارس وجامعات تفصل الموهوم عن المعلوم والبداوات الحزبية عن الحضارات الحزبية بلا تدخلات فقهية متحجرة ولا مناورات تضليلية.
يقتضي تحرير الإنسان العربي من بنى الاستبداد والهدر الكياني إذن، قيام ثورة على صعيد الفكر الإنساني، ثورة تسعى إلى إطلاق طاقات الإنسان الحية واستثمار قدراته، ومن أجل ذلك لا بد من تحرير المبادرة والإرادة الإنسانية من كل قيود التوارث الأسن القائم على المرجعيات الغيبية والحق الإلهي.
مجلة ذوات : للمزيد في الرابط التالي:
ttp://thewhatnews.net/post-page.php?post_alias=%D9%83%D9%8A%D9%81_%D8%AA%D9%84%D8%AA%D9%87%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7_%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%9F&category_alias=%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA_%D9%86%D8%B8%D8%B1
أدى التعايش بين التراث، والحداثة والتحديث والبداوة والحضارة إلى إنتاج بنى مركبة متناقضة تصل وتفصل الماضي عن الحاضر، وتعمل على إنجاب ثقافة بدوية انطوائية تعمد إلى التتريث (تجديد التراث)، وإخضاع المتعدد للواحد الأوحد مقابل تحقيق الرعاية والحماية. ولأن الإنسان العربي لازال يعيش ضمن هذه البنيات الراكدة والآسنة، التقليدية من حيث العمق والمتطورة من حيث السطح، فإن تعريف البدولوجيا أوالإديولوجيا البدوية على أنها نوع من الثقافة الشاملة السائدة في العالم العربي، والتي تربط عرب البوادي والحواضر بماضيهم وتراثهم الاعتقادي، يتطلب الحفر في ألياتها بغية التعرف على عوائق الحرية وعما يمكن عمله من أجل إنسان عربي أكثر علماً وعلمانية.
من الواضح أن الإنسان العربي لا زال يرزح تحت نير التشظي والانقسام بين ذاتين: ذات مواطنين، وذات رعايا، وهذا راجع لكونه لا زال يعيش ضمن بنيات راكدة آسنة تقليدية متهالكة من حيث العمق، وحديثة متطورة من حيت السطح. إن هذا الانقسام والتشظي ما برح يعم كل مكونات المجتمعات العربية المعاصرة التي تهمش الثقافة العلمية، وتفتح المجال أمام الثقافات البدوية التي تعتمد العصبيات والمذهبيات وأساطيرها، والسحر وتقنياته، وتطمس أدنى بوادر الانتقال التطوري من ثقافة تقوم على تضامن تكراري انطوائي إلى أخرى تقوم على تضامن إبداعي انفتاحي.
إن هذا التعايش بين التراث والحداثة، التتريث RETRADITIONALISATION والتحديث،البداوة والحضارة، أدى إلى إنتاج بنى مركبة متناقضة تصل وتفصل الماضي عن الحاضر، وتعمل على إنجاب ثقافة بدوية انطوائية تعمد إلى التتريث (تجديد التراث ) وإخضاع المتعدد للواحد الأوحد مقابل تحقيق الرعاية والحماية،وتجنب النبذ والاستبعاد والإقصاء. وبالتالي سرعان ما تتحول هذه البنيات إلى معتقلات ذاتية يرتضيها الفرد لنفسه حفاظا على أمنه ومنبع رزقه. ومن تمة فإن العدو اللدود الذي تعمل محركات هذه البنيات جاهدة من أجل محاربته هو روح الانطلاق والحرية، إذ تعتبرهما زيغا عن الثوابت والأصول.
ماهي البدولوجيا؟
تحيل البدولوجيا أو الأيديولوجيا البدوية على نوع من الثقافة الشاملة السائدة في العالم العربي تربط عرب البوادي والحواضر بماضيهم وتراثهم الاعتقادي وتبعدهم عن مستقبل جديد يتجاوز بداوتهم وتفككهم. لا يمكن لهذا النوع من الثقافة أن ينتج لنا سوى حكما بدوقراطيا يبدد ولا يوحد، أي نوع من الحكم يقوم على عقلية بدوية، زراعية، رعوية متخلفة، تراثية بدائية تشكل جداراً أيديولوجيا متينا أساسه تعيين الواحد على بنى المتعدد القبلي، وتغليب التتريث الثقافي الشفهي وغير الوظيفي على التحديث المعرفي العلمي والتقني ومحاربة روح التطلع والإبداع باستثمار فقهاء التزمت.
تعمل البدولوجيا على الحكم بوهم يطغى فيه التكرار على التعليم والابتكار، ويطغى فيه التتريث على التحديث والترهيب على الترغيب، مما ينتج لدى الإنسان العربي نوعاً من القلق، التراخي، الاستسلام، الاكتئاب، الانهزامية، الاتكالية، العدوانية، الغيظ، التطرف، التصلب. وقد وقف الدكتور "خليل أحمد خليل"على الميكانيزمات المحركة لعمل البدولوجيا وركزها فيما يلي:
التأثير المزدوج لرجال السياسة والدين ( التسييس بالتوهيم الديني) في تضليل الجماهير وتخديرها بأوهام وأحاديث موروثة أو ملفقة، للاستحواذ على الحكم بقوة العنف الرمزي، وعمليا بقوة العنف المنظور ( الأمن،الجيش،الإدارة) والمستور (المال، الإفساد،السمسرة) والعنف المقدس(عنف الحاكمين) والمدنس ( قتل المحكومين وهدر طاقاتهم).
مخاطبة الجماهير العربية كما لو كانت قبائل بدوية؛ أية جماعات متفاوتة بحكم تتريث بداواتها حتى داخل المدن الكبرى، مع استبعاد العلم والتعليم العامين، لإدامة التخلف النفسي والاجتماعي، ولإبطاء درجات نمو الذكاء الجماعي، وإبقاء أبواب الهجرة الجماهيرية مفتوحة من الريف إلى المدينة.
الاستقرار الشكلي، الأمني المحض للأنظمة الضاغطة، عبر تمكين الحاكمين من مزاولة حكمهم "مدى الحياة" على محكومين مضغوطين سياسيا، ثقافيا، ونفسيا، سواء من الأنظمة الملكية أو الجمهورية. إنه استقرار شكلي بقدرما هو ناجم عن استمرار الحكم وانحرام المحكوم بمعزل عن إمكانيات تداول السلطة أو حتى المشاركة في إنتاجها، وكأن الاستقرار السياسي مشروط بحكم الواحد المستوهم للمتعدد المستعلم و حتى المتعلم، في تطبيق مقلوب لمطلب " لا حكم إلا الله"، وكأنما الحكومة بين الناس أمر إلهي، قدر واجب لا خيار ولا رأي.
تشكل الدولة على مثال القبيلة
يصعب علينا فهم الأوضاع السياسية في البلدان العربية دون الرجوع إلى الذهنية القبلية، ويكفي أن مفكرا كبيرا كابن خلدون قد تنبه، منذ وقت مضى، إلى أهمية المزاوجة بين العصبية القبلية وبين العصبية الدينية في تشييد الأسس التي تقوم عليها الدولة، وتقوي استمرار وجودها وقوتها أو انهيارها، وفي زمننا الراهن لا زالت أنظمة الحكم العربية تضمن استمرارها باللجوء إلى العصبيات القبلية، حيث نجد في كثير من البلدان العربية استمرار العلاقة العضوية بين النظام الاجتماعي والسياسي وبين القبيلة؛ أي إن الدول العربية لا زالت تتخذ من البدولوجيا مصدرا لإضفاء المشروعية على حكمها الجائر، حيث نجد الحاكم في الدول العربية يسود ويملي ويوجه ويلزم المحكومين بقراراته وبكيفية تنفيذها، يعاقب ويسامح في كل المجالات من الدين مرورا بالأخلاق وصولا إلى الاقتصاد والهندسة ومكانة العلوم وكرة القدم و الروحانيات. يحيط بهذا الحاكم طائفة من المقربين ترفض الظهور إلا لرجل واحد يكون أقرب المقربين من الحاكم، وعادة ما يكون هذا الرجل وزيرا حازما أو مستشارا داهية، وهذا ما دفعنا إلى القول بأن العلاقة بالسلطة في الدول العربية تجد جذورها في القديم
صحيح أن هذه الدول تعرف تكنولوجيا متقدمة في نظم المعلومات والتعامل،وتشهد هياكل تنظيمية اقتصادية و مجتمعية (نوادي ثقافية،جمعيات،أحزاب ونقابات مهنية...) توحي بالتحديث، لكن كل هذه التنظيمات والهياكل تبقى جوفاء عمياء إذا لم ينعشها أفراد. وهؤلاء الأفراد قادة وأتباع، كيف يفكرون، كيف يتصرفون، كيف يتخاطبون؟ إذا كانوا قد نشأوا في أحضان ثقافة القبيلة، وإذا كانت تربية القبيلة هي كل ثقافة الأم، مجسدة في سلوكها وكلامها ونصائحها، ألا يؤدي ذلك إلى تحويل فرع الحزب والنقابة والجمعية وسائر التنظيمات الحديثة في المدينة إلى قبيلة مصغرة تنتج ثقافة الخضوع والانقياد والنية و التوسل؟
على الرغم من أن القائمين على الحكم في هذه الدول لا يبرحون ينادون بحكم المؤسسات وحكم القانون ونظم الإدارة الحديثة إلا أنهم يتصرفون وفق منطق بدولوجي، فلا تخلو أية إدارة عربية من هياكل تنظيمية رسمية تنبع من الأسس العلمية والقانونية إلا أن القوى المحركة لها لا زالت تنبع من الهياكل البدوية التقليدية القائمة على العائلة والطائفة والعشيرة.
لقد أضحى معمر القذافي الذي حكم ليبيا زهاء إحدى وأربعين سنة مثالا واضحا عن هذا الترابط العضوي بين الدولة والقبيلة الذي يختزل الواحد في المتعدد، واحد خيل إلى محكوميه أنه الرجل المنشود طالما أن القبائل العربية تنتج شيوخها لا دولها، وتبحث عن رجلها لا عن حكومتها الحديثة، حيث صورة الرجل المنشود تطغى عندها على مطلب الدولة ورجالاتها، مما أتاح للقدافي قلب دولة الملك إلى جمهورية سماها "جماهيرية"؛ أي لا دولة بالمعنى الدقيق المضاد لمفهوم الدولة، أو بمعنى ديمقراطية القبائل، حيث تكون القبيلة هي الحزب والسلطة والشعب معا. وتكون كلها مختصرة في شخص "ولد الخيمة"، الشرط الأساسي لدوام سلطته كما في قول محكوميه " معمر يا ولد الخيمة...أنت القايد ديما ديما".
من البدولوجيا إلى البدوقراطية
تحتل التقاليد مكانة مهمة في الدراسات التي تهم المنظومة السياسية العربية المعاصرة، حيث تظهر كمعيار من الضروري الاعتماد عليه بالنسبة إلى الشخص الذي يبحث عن الوصول لفهم المحرك التاريخي للفشل السياسي، و تفسير سلوك المنظومة السياسية العربية. من بين هؤلاء نجد "جون واتيربوري" الذي عمل على تفسير سلوك النخبة السياسية بالمغرب في علاقتها بإرث مزدوج " القبيلة" و"المخزن". فحسب "واتيربوري"، فإن ممثلي النخبة السياسية المغربية يتصرفون وفق طريقة تتوافق مع المعايير والقيم التقليدية البدوية خارجة عن إرادة ووعي الفاعلين السياسيين.
كما أكد أن التجارب التي طبقها مجموعة من الباحثين لدراسة القبيلة في الشرق الأوسط، يمكن أن تساعدنا في فهم ردود الأفعال الاجتماعية والسياسية التي تخص المنظومة السياسية المغربية،حيث ظهر تشابه واضح بين الجمود الداخلي الذي يخص القبيلة في الشرق الأوسط، وبين الجمود الذي يميز المنظومة السياسية المغربية.
فالرجوع إلى النظام التقليدي حسب "واتيربوري" هو شيء ضروري، ولا يمكن تفاديه الشيء الذي دفعه إلى تخصيص فصل من كتابه "أمير المؤمنين" للسياق الاجتماعي، والذي يعرض فيه الخصائص المشتركة بين النظام الانقسامي القبلي والنخبة السياسية المغربية.
هذا المعطى الذي أكد عليه واتيربوري يعترض أي باحث يسعى إلى دراسة النخبة السياسية المغربيةبشكلخاصوالعربيةبشكلعام، إذ يجد نفسه مرغما على تخصيص جزء مهم من دراسته لفهم البنيات القبلية، وبالتالي الانتقال من دراسة النخب السياسية إلى دراسة البدوقراطية.
للأحزاب المغربية بنية شبيهة ببنية القبيلة ذات الثقافة العرفية ( دستور القبيلة)، وتوظف هذه البنية من قبل القبيلة كما توظف من قبل الأحزاب بغية إرساء أمرين أساسيين: تعيين الهوية المحلية التي تميز تشكيلا قبليا عن آخر، وإنتاج نمط من التحكيم ( الحكم أو الحكومة) يرأسه شيخ القبيلة ويدبره مدى حياته، وغالبا ما يورثه لأحد من أبنائه ( الابن البكر). هذا الإيلاف القبلي للنخبة السياسية لا ينتج ثقافة سياسية بالمعنى الحديث بقدرما ينتج حكما حصريا أو حاصرا ينفي التعدد والمشاركة في سلطة القرار، طالما أن هذه السلطة تقوم على مؤسسة العائلة المشيدة على ثقافة الحاكم الواحد، وبالتالي ثقافة اللاثقافة وحزب اللاهوية. وفي حال سعى المتعدد إلى إنتاج ثقافة وهوية خارج مرجعية الواحد القبلي يقابل بالاضطهاد والرفض والتهميش، على غرار الأجنبي الغريب عن القبيلة التي يحكمها ويملكها الواحد.
عموماً، يمكننا تلخيص القواسم المشتركة بين النخب السياسية المغربية والنظام القبلي البدوي في ما يلي:
*آلية الانشطار والاندماج كمبدأين ضروريين للحفاظ على التوازن السياسي.
* مفهوم الهوية المرتبط بالوضعية، فالفرد لا يتحدد إلا بالنسبة لوضعية معينة، أو فئة معينة. وبما أن الوضعيات تتغير باستمرار، فإن الهوية تتغير بدورها، حيث "تنشأ داخل الأنساق الانقسامية (في أغلب الأحيان) تكتلات وتحالفات تابعة لترتيب الجماعات السلالية المنحدرة من الجد الواحد. ويمكن للفرد الواحد أن يوجد داخل شبكة من التحالفات المتشابكة والمتعارضة في ما بينها؛ حيث تمارس عليه تأثيرات متناقضة إلى درجة أنها قد تؤدي به إلى الشلل التام. لنأخذ مثلا، فردا ينتمي إلى قبيلة مغربية، نجده ينتمي إلى فئة ذات نسب، لها منافسة مع أنساب أخرى. لكنه ينتمي في الوقت نفسه وعشيرته إلى لف يسعى إلى استقطاب الصراعات على مستوى المنطقة، ولا يمنع هذا من أن تكون العشائر المتحالفة داخل اللف متصارعة في مستوى السلالات. أضف إلى ذلك، أن الفرد نفسه يمكن أن يشارك في أحلاف محلية ضيقة تهتم بالإشراف على حقوق الري وتوزيع الماء إلخ...وتتداخل مع العلاقات السلالية والانتماء إلى اللف".
* ينحدر مفهوم الصداقة من المفهوم السابق، حيث يمكن للشخص أن يكون عدوا أو صديقا حسب الظروف. وبما أن هذه الأخيرة دائمة التحول، فإن مشاعر الصداقة والعداوة تميل إلى السطحية والصفة التعاقدية. فـ "في الوقت الذي تحافظ فيه الأنساق الانقسامية على الوضع القائم، تتميز الوحدات المكونة لها، بحركة دائمة من الابتعاد والانجذاب، كأنها جزيئات تلتحم بجاذبية احتكاكها. وتصبح التحالفات عديمة الاستقرار على العموم، ويسودها نوع من النسبية الأخلاقية، لأن حلفاء اليوم قد يصبحون أعداء الغد،لأن الأعداء الألداء هم قلائل كما بالنسبة إلى من هم أصدقاء مدى الحياة".
* وبسبب عدم استقرار الأوضاع وحركية الفاعلين، فإن رجل السياسة مطالب بالاستعداد لكل الاحتمالات، ومعناه أن يتكهن بمن سيكون صديقا أو عدوا في كل الحالات الممكنة. فلا يجوز إذن، أن تمنح الثقة لفرد واحد، أو فصيل واحد أو قضية واحدة، لأن ذلك قد يتسبب في كارثة حقيقية، بل الأضمن أن يعدد رجل السياسة تحالفاته، حيث "يسعى كل واحد إلى مضاعفة تحالفاته، بدءا ربما بقرابته لتأمين دفاعه، وتأمين أكثر ما يمكن من إمكانيات التدخل ( أو عدم التدخل على السواء). وليس من الضروري أن يكون هنالك هدف مباشر من وراء هذه التحالفات، بل هي بمثابة استثمارات على المدى البعيد، تستوجب اللعب على كل الواجهات لمواجهة كل الاحتمالات. يملي هذا النهج الحذر والتحفظ الذي يستلهم في الواقع كل أنواع النشاط الاجتماعي والسياسي، شعور حاد بنسبية كل انتصار، ونسبية كل صداقة أو عداوة معا".
* وتؤدي المبادرة وطريقة المخاطرة والجرأة إلى العزلة بمجرد أن يطرأ تحول على الأوضاع القائمة .لذلك فمن الأفضل ألا يغامر الفرد أو يتحالف مع ذوي الجرأة. وتغدو المناورات الدفاعية، والتكتيكات، الأساليب الوحيدة التي بالإمكان أن توصف بالتعقل.
* "تتعدد الوسائل للعثور على الحلفاء وتأمين وفائهم،غير أن الديون المالية أو المعنوية تظل في نهاية الأمر من أنجع السبل لتوطيد شبكات الأحلاف ذلك أن المدين، يكون مرغما على التحالف مع دائنه، ولا يمكنه أن يصبح عدوا له بسهولة. تعتبر علاقات الالتزام معقدة ومتعددة الأشكال في المغرب وكل مغربي يلتزم بمساعدة أعضاء عائلته وأقربائه والاعتراف بالجميل لكل من أحسن إليه ومن الصعب جدا على الأجنبي أن يدرك ألغاز كل القواعد الضمنية التي تحدد درجة التزام كل فرد وما يستحقه من جزاء عند تجاوزه قواعد اللعبة، وغالبا ما يبرر المغربي سلوكه بقوله :لم أستطع القيام بكذا، لأن فلاناً عم زوجتي أو لأنه توسط لي للحصول على منحة لابني.
من أجل إنسان عربي أكثر علما وعلمانية
لا سبيل أمام الإنسان العربي من أجل تخطي هذه المحنة سوى تبني مؤسسة العقل و مؤسسة العلم، حتى يجد نفسه أمام فرصة حقيقية لتنوير ذاته بوعيه ولإنتاج علمانيته وحداثته، وإلا سيظل لصيقا بمؤسسة البداوة ومؤسسة إفتاء الأحاديث، وما ينجر عنها من استغلاق سياسي يستبدل المتعدد بالواحد الأوحد.
معيار الحداثة السياسية إذن، هو الانتقال من حزب القبيلة إلى حزب العلمانية التعددية، ونقصد بالعلمانية هنا إحداث قطيعة كاملة مع تلك الأشكال البدوية التقليدية للتربية المتوارثة عن الماضي، ولا نقصد تلك العقيدة الوهمية التي دفعت الشيوعية ثمنا غاليا لاعتناقها في فثرة تاريخية معينة والمتمثلة في "مجتمع كلي الإلحاد"، نقصد بحزب العلمانية التعددية أيضا ذلك الكيان المتشرب لقيم أثينا اليونان، حيث قامت أول ديمقراطية معروفة في الغرب، ومنعت تجديد ولاية الحاكم الأكثر شعبية لدى الجماهير، رغم تفانيه في خدمتها حتى لا يصاب بمرض جوع التسلط، وذلك بفتح المجال لعقلانية عملية تنسف الديكورات والكليشيهات السياسية السطحية وتطور البنية الحزبية ذات البناء القبلي والشكل الحضاري، وذلك انطلاقا من مدارس وجامعات تفصل الموهوم عن المعلوم والبداوات الحزبية عن الحضارات الحزبية بلا تدخلات فقهية متحجرة ولا مناورات تضليلية.
يقتضي تحرير الإنسان العربي من بنى الاستبداد والهدر الكياني إذن، قيام ثورة على صعيد الفكر الإنساني، ثورة تسعى إلى إطلاق طاقات الإنسان الحية واستثمار قدراته، ومن أجل ذلك لا بد من تحرير المبادرة والإرادة الإنسانية من كل قيود التوارث الأسن القائم على المرجعيات الغيبية والحق الإلهي.
مجلة ذوات : للمزيد في الرابط التالي:
ttp://thewhatnews.net/post-page.php?post_alias=%D9%83%D9%8A%D9%81_%D8%AA%D9%84%D8%AA%D9%87%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7_%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%9F&category_alias=%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA_%D9%86%D8%B8%D8%B1



















