+
أأ
-

مواسم غسيل الصوف

{title}
بلكي الإخباري










بقلم : محمود الشمايله





الشارع يقسم الحي إلى نصفين ، والأزقة أوردة مكشوفة تضخ الحياة في البيوت المنتشرة ،قالت أمي :عليك أن تزورها كلها ،الحدث لا يحتمل التأخير .

أمي فاطمة توصيني أن لا أنسى أحداً ، لذلك أخذت الشارع من أوله ثم الدخول إلى الأزقة المترامية على أطراف الشارع .

صباح الخير خالتي أم حسين : بتسلم عليكي أمي وبتقول لكي بكرة الصبح ودنا نغسل صوف ناصر على سيل الكرك .

أم حسين : يا ريته مبروك إن شاء الله ..

تلوذ إلى الداخل وصوت زغرودة طويلة يقتحم أذني .

هكذا كان الصباح ولا أدري كم من الوقت أنفقته لأكمل الجزء الأول من مشروع أمي .

صباح استثنائي ، تختلط فيه رائحة القرفة والقهوة بفرحة أمي ..حوش الدار محطة انتظار احتفالية .

أم إبراهيم الحجة جميله’ كالعادة ما أن تدخل حتى تبدأ التغريد بصوتها الملائكي وتثير شجون القلب

وسع الميدان يا بيِّ ناصر وسع الميدان

الفرحة للصبيان والعز لك الفرحة للصبيان …

يلتحق بركبها الغنائي جوقة نسائية وترد عليها …

جدتي نجمة تفسح مجالاً لأم إبراهيم للجلوس بجانبها لتردد معها الرويد الذي تفهمه جيدا …

هكذا يكتمل الصباح ….وزغرودة أمي إعلان لتراتيل الفرح .

باص الشهابية ينتصب بزهو أمام بيتنا ويبتلع النسوة ، إحدى الصبايا تنادي شقيقتي وهي تمد رأسها من نافذة الباص: يا انتصار لا تنسي الدربكة .

طلوا الخيول من ورا التلين …كلهم نشامى مبرشمين الخيلِ

يا مرحبا وان كان ناصر معهم وان كان محمد عازم الصفين

واحنا الشموليات هيه بهيه …خيل الأصايل واردة على المية





كان الوقت مبكراً جداً .





يشتد حماس الصبايا مع الولوج إلى شارع الخضر …وأم فتحي تخرج باكيت الكمال من جيبها وتشعل سيجارة .

مع استنفاذ كلمات الأغنية كان الباص قد وصل إلى عين سارة و والدي كان قد أعد شوالات الصوف على ضفاف السيل .

مائة وعشرون رطلا من الصوف في انتظار سواعد الخير والسيل نبي كهل رسالته تعميد فرحة الكرك ومباركتها.





بركة كبيرة صنعتها النسوة من حجارة السيل ، توزعت المهام بطريقة عفوية ، شمّرت العجائز المدارق السوداء المطرزة دون أن يخلعن صباط البلاستك من أقدامهن ونزل بعضهن إلى الماء فيما بقي عدد منهن لتفريغ الصوف من الشوالات ثم انتشاله للنشر مرة أخرى … من الواضح جدا أن النسوة تفهم كرنفال الصوف جيداً .
لمي يا لمي وحشيلي مخداتي
طلعت من البيت ما ودعت خياتي
لمي يالمي وشديلي عا المودع
الليل عندكو وبكره الصبح نتودع
جدتي نجمة تغادر البركة وتسحب أم إبراهيم من ردن المدرقة وهي تصدح بالترويدة ، أومأت لها بالمغادرة، والجلوس على صخرة على ضفاف السيل ، فعلت ذلك حتى لا تكسر إيقاع النسوة وأمي كانت مشغولة بتوزيع الخدمات اللوجستية على المشاركين .
الشمس في كبد السماء ، إعلان انتهاء العمل ، في تلك الأثناء كان والدي وبعض الرجال قد انتهوا من طبخ المنسف ، أحدهم كان يعمد النار المشتعلة بالحطب من مياه السيل ليطفئها.
أسبوع العمل والفرح …….
بعد نفش الصوف ،المنجد قام بتحويله إلى اثنتي عشرة فرشة وعشرة لحافات وثمانية عشرة مخدة … ومنهض الوهد يمتلئ بالألوان الزاهية كوجه أمي .
جدتي غيبها الموت على عجل، أم عدنان ، أم حيدر ، أم سميح ، أم حسين والدي ثم جدي
أم إبراهيم تعيش الإغتراب في انتظار اللقاء
وما زلت أشفق على دمعة أمي مني …
حوش الدار أصبح ذاكرة للتعذيب بالحواس ، سيل الكرك ما زال يذرف دمعاً ………









الصورة التعبيرية
للفنان مهند قسوس