+
أأ
-

تاريخنا بين الدولة والقطيعة وتاريخ الناس

{title}
بلكي الإخباري أ.د مهند مبيضين

حتى الآن استقر التدوين التاريخي الوطني المعاصر للأردن، باعتباره وريثا للثورة العربية الكبرى، هذا الحدث عام 1916 سيعد بداية لكتابة تاريخ الدولة الرسمي الذي اجهتد لأجله عدد من المؤرخين المعاصرين والذين اعتبروا بداية الأردن المعاصر مع العام 1921 وهو عام تأسيس الإمارة، فكتب التاريخ على أساس أنه زمن سياسي وتاريخ حكم ,مؤسسات تخدم تلك الفكرة.  وهكذا تباعد تاريخ الناس عن تاريخ دولتهم، ضاع الكثير واقصي الكثير ووجدت محطات مموهة غير مكتوب فيها، ومنها احداث عديدة لا تبدأ بالحركة الوطنية في العشرينيات أو بربيع العام 1956 ولا تنتهي بأحداث 1989 وما بينهما احداث أيلول الأسود، هذا على صعيد الحدث السياسي، أما فيما يتصل بالهوية والمجتمع والعادات والأمراض والجوع والسجون وغيرها، فظل هذا النوع من التاريخ الجديد بعيدا عن الاعمال التاريخية الرسمية المنضبطة بايقاع السلطة او تاريخ الدولة الذي نهضت به أعمال تاريخيه زامنت عصر الإمارة بدأت مع الكولونيل فريدريك  بيك باشا مؤسس الجيش العربي الأردني والذي كتب «تاريخ شرقي الأردن وقبائلها» (1934) ولا مع منيب الماضي وسليمان الموسى في كتابهما «تاريخ الأردن في القرن العشرين» (1959).

وهذان العملان شكلا مرجعا لكثير من الباحثين، الذين ساروا على نهجهما، وقد نتج عن ذلك إشكاليات عدة ومنها: القطيعة بين تاريخ ما قبل الإمارة والثورة العربية واعتبار التاريخ الأردني بدأ من هذين الحدثين السياسيين، وهيمنة السياسي على التاريخي العام واهمال تاريخ الناس وتطور المجتمع، وفصل تاريخ الدولة عن المجاميع التي كونتها واسهمت في بنائها من بدو وفلاحين ومهاجرين.

وللأسف لم تبدع الأعمال التاريخية في الأردن والتي ظهرت لاحقا للنصف الأول من القرن العشرين  أعمالاً تخرج عن ترسميات التاريخ الذي واكب تكوين الدولة الحديثة والمعاصرة، وكذلك جرى الاهتمام أيضا بالمشاريع التاريخية الوثائقية التي وثقت أعمال الدولة ودواوينها ووزاراتها ومؤسساتها والعلاقات العربية الأردنية ومشاريع الوحدة وموقف الأردن منها، وهكذا طغى السياسي مرة أخرى على الوثائق الوطنية التي فصلت بين الشعبي والرسمي واوجدت حاجزاً لم يقصده الحكم، لكنه ظهر في تلك المشاريع بهدف صياغة تاريخ وطني. هذه الوضعية قادت إلى إهمال تاريخ الأردنيين في القرن العشرين في الزمن المسمى بالوطني، وهو الذي تكونت به الدولة المعاصرة،  فغاب البحث في دوائر التاريخ الجامعي عن الأصول الاجتماعية الثقافية، وافتقدنا لمدونات مطولة على غرار عمل علي الوردي عن العراق وتكوين مجتمعه، وفي المقابل ظهر تاريخ الزمن الوطني في القيود والسجلات التي تتحدث عن الإداريات البلديات والمؤسسات والتعليم والضرائب، كبديل عن تاريخ الناس ولم يتم التجاوز إلى المصادر الأدبية واللغوية ودفاتر التجارة والدكاكين والطواحين وقيود الأمراض وسجلات السجون ووثائق المعارضة أو  العادات والأوابد المتصلة بالغزو والفلاحة والطعام والشراب والمرض، هنا يجب التذكير بجهود طيبة مهنا أعمال عدنان البخيت فيما يخص السجلات العثمانية والحض على دراسة البلدانيات في حقبة ما قبل الدولةـ وكذلك جهود علي محافظة في كتابة تاريخ المعارضة والفكر السياسي الاردني وكذلك جهود رؤوف أبو جابر ومحمد خريسات وهند أبو الشعر وابراهيم الشرعة وآخرين. لكن برغم أن لدينا جهودا تأريخية ومؤرخين، إلا أن قصة الأردنيين لم تكتمل فصولها ولم تدون كاملة في زمن الدولة، برغم الجهود الفردية التي تظهر احيانا هنا وهناك، لكن الدولة ليس لديها الاهتمام الكافي لذلك الهدف

. Mohannad974@yahoo.com