+
أأ
-

الروابده لم يتخذ ولياً مرشدا

{title}
بلكي الإخباري د. مهند مبيضين

هل كان على دولة عبد الرؤوف الروابدة أن لا يقدم رأيه في قانون اللامركزية حين عرض على مجلس الأمة أو أن يقف بلا رأي بانتظار كلام مرسل؟ هل كان عليه أن لا يتحدث وهو الرجل الذي يعرف القانون وثلماته كما يعرف تركيب الدواء؟ هل يعني أن رأي فرد كان كافياً بالتأثير على تصويت المجلس كاملاً ؟

فما إن صوّت مجلس الأمة على قانون اللامركزية حتى ظهرت أصوات تنعاه، لكن ما حصل لاحقاً من عدم مصادقة الملك على القانون هو انتصار لتجويد القرار ولتفسير المحكمة الدستورية، ولما لا، لكي يكون الأمر في إطار المؤسسات. هل كان قانون اللامركزية الأول والأخير الذي يعود من المصادقة،؟ طبعا لا، لكن الموقف الذي تشكل عقب رد القانون في المشهد العام فسر على أنه رد مستهدف به شخص دولة رئيس مجلس الأعيان(وطبقة المحافظين)، وهو أمر لا يمكن أن يكون السبب الأوحد لما حدث.

فالروابدة صاحب رأي في مسألة الأقاليم حين طرحت وفي اللامركزية حين نوقشت وفي العقبة الخاصة حين ابتهل من أجلها المبتهلون، وقيل ستكون في غضون خمسة أو عشرة أعوام درة مدن وموانئ المنطقة وسننثر الرمال ذهبا منها، ليتعاقب على العقبة لاحقاً أبطال دونكوشيتيون للآن ملفاتهم قابلة للنقاش فسادا وفوضى وخرابا، وله – أي الروابدة- رؤية في موقع الدولة من حياة الأفراد.ولا يضيره أن يقال بأنه بيروقراطي عتيد أو حرس قديم، فهذا البيروقراطي هو واحد من قلة صمدوا أمام نقد الخصوم في زمن الربيع العربي ولم يترك جمعية ولا تجمع إلا وبُحَّ صوته محاضرا فيه عن الدولة وضرورة إبقائها حتى لا ننزلق إلى ما راح إليه الآخرون من دول الجوار وغيرها.

ليس الراوبدة من يصنع كتلة أو مبادرة أو تجمع سياسي برلماني ليصعد على ظهره ويثبت الحضور ويتلقى الدعم، ليس هو من يركب موجة الردود والتصريحات أو ينتظر دعم الأمريكان أو مراكز الدراسات ليقول للناس أنا موجود وصاحب حق بالدفاع عن قلب مركزي للدولة لأن المجتمع يجب أن ينتقل تدريجيا للإصلاح. وإن كانت صفة المحافظ والتقليدي تساوي بقاء الدولة متماسكة ذات عافية، فمرحبا بالمحافظين كلهم حتى وإن كانوا خارج أي سلطة أو موقع.

الروابدة ليس عابرا على قنطرة الإصلاح وليس هاوياً في السياسة بل هو رجل مختبر السياسة الوطنية الحقيقي، ومعه في هذا المختبر طبقة جميلة من رجال الوطن إن آمنت بالإصلاح والتقدم لكنها لا تؤمن بتغيير وجه الدولة بين يوم وليلة .

هو رجل كيس وفطن، يملك القدرة على الحجاج والرأي، وقد وظّف دوما قدراته البلاغية ومهارته في الحِجاج وخبراته التشريعية والقانونية ليس في تقديم عناوين للصحف أو للسفراء بل أصر خلال السنوات الأخيرة على شرح مفهوم الدولة وتحدياتها وسبل تشكلها للأفراد في كل بقاع الوطن، فلم يغيب ولم يتخذ ولياً مرشدا من مراكز التمويل الأجنبي ولم ينتظر هواتف الحق.

بل كان (شوره) من قلبه وعقله، ونتيجة لوطنيته المتشددة في الدفاع عن الوطن حدّ الغلو. لكن ما أن رد قانون اللامركزية حتى وجهت الأنظار إلى دولته، وبعيدا عن الخسارة والربح وبعيدا عن الغضب أو العتب أو الرسائل الملكية المفتوحة أو غير المباشرة، يبدو أن الذين اعتبروا رد القانون رسالة للروابدة وإنها أشبه بمؤشر رحيل من رئاسة مجلس الأمة لا يعون التاريخ. نقول أن الكبار يخطئون ويصيبون ويجتهدون في الأمور الوطنية بقدر ما يرون المصلحة وفي النهاية هم يدلون بآرائهم وهي ليست مقدسة.

لكن الابتهال الذي تحقق لبعضهم ينم عن روح كارهة، وثمة من عبر برأي محترم وواضح واعتبر رد القانون انتصار للإصلاح وقد صدر هذا الرأي من قبل أصدقاء ومحبين للروابدة وهو رأي يحترم، لكن الكارهين كان قولهم مختلف وتأويلهم لم يخلُ من شطط وهوى قديم ، وبدأوا بالبحث عن بديل لرئاسة مجلس الأعيان، متناسين التاريخ، نسوا أن من قام الناس عليه ثائرين غاضبين عام 1989 عاد بعد سنوات رئيسا لمجلس الأمة لعهد قريب.

وأما دولة (أبو عصام) فهو رجل لا يخبئ رأسه ولا تدهشه اللحظة ولا يوارب في المسائل الوطنية، فهو قادر على إبداء الرأي ودوره الوطني لا يخفى على أحد. ويبقى سيداً كبيراً لا يجامل لأجل السفارات أو مصالح شخصية أو فئوية في قضايا الوطن، بيته مفتوح ومعروف إن كان رئيسا للأعيان أم لا، ولأنه لا يعرف الاختباء فهو قابل لأن يخطئ، وكان سهل عليه أن يلوذ بالصمت أو يقول جاءت الأمور من فوق. لكن حين يقوم بذلك يكون ليس هو الرجل الذي عرفه الأردنيون.

والمؤسسات هي التي تصحح القوانين ورد القانون من مؤسسة العرش ليس رداً على شخص أو رأي بعينه وليس هو الرد الأول ولا الأخير مادمت الدولة ماضية للتقدم والمستقبل.

أخير يظل عبد الرؤوف الروابدة رجل صيت ذا صيت، حلمه الوطني ورؤية واضحة، وقدراته وآرائه تبقى في خدمة الدولة سواء في المواقع المتقدمة أم في المنزل، لم يخطئ خطأ الهواة في السياسة ولم يقود الدولة والمؤسسات للهلاك ولم يسرق المال ولم يزور انتخابات ، ليس ثاويا في جب الأمريكان أو ينتظر منهم براءة الرأي والموقف ، لكنه برغم كل النقد والاتهامات قادر على مبادلة الخصوم – وهم كثر- بالابتسامة وسعة الأفق والصدر الرحب. وقد أوتي من الحكمة كثيرا وعمل لوطنه كثيراً ولا ينتظر من أحد إنصافا حين يقول أنا أردني حتى العظم والصميم وعشقي للأردن لا يعدله عشقي لمكة.