+
أأ
-

بشار جرار : الموجّهون عن بعد

{title}
بلكي الإخباري

صحيح أن الإنسان هو ذلك كائن اجتماعي، لكن في زمن منصات التناحر الاجتماعي وبعض التطبيقات الخبيثة في الألواح الذكية وأكثرها خطورة الذكاء الاصطناعي، يصير اجتماع الناس أحيانا مدعاة لجلب المفاسد لا مجرد تبديد المكاسب.كان من المفترض أن تتيح منصة «اكس» -»تويتر» سابقا- فرصة للتغريد خارج السرب كتعبير إنساني بعيد عما يعرف بثقافة القطيع. كما في السجال الذي كان رائجا في زمن كوفيد التاسع عشر، لا تجدي دائما مناعة القطيع، إذ قضت ثقافة القطيع -الخاصة بمؤيدي ومعارضي اللقاحات- قضت بشكل أو بآخر على تحقق شروط مناعة القطيع، وهي لا غبار عليها علميا وثبتت جدواها تاريخيا ولكن، وهذه مدعومة بخط أحمر عريض، ليس كل الميكروبات والفطريات والطفيليات عصية على المناعة في ظل القطيع، بل تصير كما النار في الهشيم في نشرها للعدوى.انسياقا وراء «فرنجي برنجي» بمعنى المأخوذين بكل ما هو أجنبي أو غريب وليس بالضرورة أن يكون الغرب مقابل الشرق، ظن البعض أن المظاهرات وسائر أشكال التعبير عن الرأي أو العاطفة، ظنوها محكومة بمعايير ثقافية أو ضوابط أخلاقية وقوانين ردعية، لكن في كثير من الأحداث العالمية اتضح أننا «كلنا في الهم شرق». الإنسان هو الإنسان، كائن اجتماعي تظهر عليه أعراض معينة لا محالة عند تحول الاجتماع -سواء أكان في ناد، شركة، ميدان، أم محفل، تحوله إلى شكل من أشكال العصبية. وهذه لا تعني دائما أن تكون قائمة على أسس أثنية، ففي ظل العولمة والرقمنة، صارت العصبية فكرية لا بل سلوكية.لتلك السلوكيات أنماط أهمها التطرف والجهل. ماذا يعني أن يقوم من يريدني أن أصدقه بأنه متضامن مع غزة أو مناصرا لها، بانتزاع الأعلام الأمريكية وإلقائها على الأرض وسط هتافات لا أريد ذكرها، مستبدلا إياها بأعلام فلسطينية. حدث هذا في قلب عاصمة المال في أمريكا والعالم، نيويورك، في عطلة عيد المحاربين القدامى..ماذا يعني قيام بريطاني من أصول مهاجرة أيضا لا أريد ذكرها، بتمجيد المجرم المدان عالميا هتلر، زاعما -وهو من جيل المهاجرين الثالث أو الرابع، أنه «الوحيد الذي عرف كيف يتعامل مع اليهود». حدث هذا في قلب عاصمة أعرق ديموقراطية في العالم، لندن.ماذا يعني طوفان الشتائم البذيئة والسوقية لا المسيئة فقط، بحق كل من تجرأ على التغريد خارج السرب، والسرب هنا يعني فصيلهم أو تنظيمهم أو نظامهم أو حركتهم؟معاداة السامية كما الإسلاموفوبيا، صارت تهدد الأمن والسلم الأهلي في الغرب، وأكثر المتضررين هم أولئك المهاجرون من الشرق الأوسط، ويا لها من مفارقة، حيث لم يقتصر الضرر على المسلمين واليهود، وإنما تمادت العولمة واليسار المنحل المختل في التعدي على شرائح أخرى، منها المسيحيون المحافظون والأصوليون و رعاي ا الكنائس الرسولية.قد يفرح البعض ببعض الممارسات، ويغض الطرف عن ممارسات أخرى، أقل ما يقال فيها أنها مسيئة ومشبوهة ومغرضة، ستضر بالجميع. وما دور القائمين عليها سوى تسجيل نقاط في حرب سياسية ضروس، لها أجندتها التي لا علاقة لها لا بغزة ولا حتى بإسرائيل.من واجب العارفين بالأجزاء الخفية من اكتمال الصورة والمشهد أن يتصدى لثلاث فئات في غاية الخطورة: المندسون والمغرضون والملعوب بهم، الموجّهون عن بعد، وهم لا يشعرون.. ــ الدستور