بشار جرار : ممكن سؤال؟!

واضح أن ما يجري منذ السابع من أكتوبر ليس ببيان يتلى من غزة ولا بمقابلة خاصة عن غزة على فضائية يعاد إنتاج جملها شذرات ومذرات عبر منصات التناحر الحزبي بكل ما في بعضها من تكفير وتخوين وتضليل وتحريض.كأي حرب، أكثر ضحاياها غيابا عن الصورة، ما هي إلا الحقيقية، فها هي الشائعات -وفقا للمراصد المختصة- تقطّع الأبدان وتمزق الأوصال وتنسف الجسور، وتحرق ما هو أشدّ من «شعرة معاوية»، شدها هذا الطرف أو أرخاها الآخر.من الجمل الممجوجة في الدخلاء أو الطارئين على مهنة الصحافة وحرفة السياسة عبارة: ممكن سؤال؟! ويأتي الجواب سريعا كما الماء المثلّج في يوم حار: يا أخي تفضّل من غير سؤال! لست أدري إن كان السؤال ممكنا في خضم المعركة، وفي عز معمعة أولئك الذين لا يحسنون تاريخيا سوى جعجعة لا طحن فيها، وإن كان، فلا قمحا طحنوا ولا خبزوا بل زوان، وحصاد مر من جنس الشجر والثمر وزرّاعه أيضا.متى يقيم بعض صناع القرار وزنا لسماع الأسئلة المشروعة أو على الأقل عدم كتمان تلك الأنفاس التي تطرحها وهي تتساءل بحرقة عن جدوى قرار هنا وخيار هناك؟ متى -وهم في غالبيتهم ليسوا بصناع قرار وإنما من بين منفذيه أو متخذيه- متى يعرف من يرتلون آيات الذكر الحكيم -في الديانات السماوية كلها- أن روح الإنسان أقدس من المكان، وإن كلاهما الإنسان والمكان يكتسبان القدسية والوقار ما راعوا كلمة الله وحقوق مخلوقاته كافة، البشر والشجر والحجر، وأن للحق قوة وللحقيقة هيبة، لا العكس.الذهاب في طريق مواصلة القتل غير المتكافئ لزوال إمكانية الردع المتبادل المتكافئ في غزة إلى نهايته، ليس كما كان يقال قبل عقود عن «رؤية الضوء في نهاية النفق»! تلك الأنفاق من نوع آخر، في زمن آخر. ما عادت القضية، فلسطينية ولا عربية ولا حتى إسلامية أو إنسانية، في نظر بعض اللاعبين على الساحة. بعضهم ليس على الساحة أصلا!آن الأوان للمساءلة لا مجرد التساؤل أو طرح السؤال: ما لطهران بمجريات حرب السابع من أكتوبر وتداعياتها؟ وهل من علاقة بين رعايتها الوظيفية «الربيع العربي» المزعوم المشؤوم وبين ترتيبات إقليمية ما زال بعض قصار النظر في النصف الآخر من الكرة الأرضية يرونها ممكنة؟ صار مكشوفا وبشيء من الصلف والعناد والغباء وتدمير الذات، محاولات العبث باستقرار بعض الساحات، لتنفيس الضغط عن ساحات أخرى!من حكّمهم برقاب الناس؟ سؤال يفرض نفسه، لن يجيب عليه إلا المزيد من طرح الأسئلة من على منابرها الشريفة، وطنيا ومهنيا. التواصل الإعلامي التفاعلي المباشر حتى ولو كان على هيئة مونولوج افتتاحي كما في بعض البرامج السياسية والحوارية في أمريكا ومصر، مطلوب خاصة إن قامت برفده حوارات حقيقية لا مجاملات فيها، عبر منصّات ثبت رواجها وتأثيرها عالميا، مثل «بودكاست»سمعيا وبصريا.لا يخاف من الأسئلة إلا أعداء الحق والحقيقة.. ولا حظر للسؤا ل -أي سؤال- ما دام مبررا منطقيا، لا منمّقا ومزخرفا يطرب من يحاور نفسه بنفسه لنفسه، فيما الجماهير تصفق وتصفر بعوالم الشطّار من تجار الأوطان والأديان، أصلح الله حالنا أجمعين، مرسلين ومتلقّين.. ــ الدستور



















