عمر عليمات : الوزيرة الألمانية و»المنطق المقلوب»

تخرج وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مؤتمر ميونخ للأمن لتؤكد أنه لتحقيق حل الدولتين يجب ان يكون هناك ضمان بأن هجوم السابع من تشرين الأول الذي نفذته حماس على إسرائيل لن يحدث مرة أخرى أبداً.سياق حديث الوزيرة تاريخي ومؤطر بعقدة «الهولوكوست» التي ما زالت الدولة الألمانية بكافة مؤسساتها تعيش تفاصيلها، لذا فإن دعمها لإسرائيل سيتواصل إلى أن يأتي جيل يرى بأنه ليس معنيا بتحمل تبعات مرحلة حتى الألمان أنفسهم لم يسلموا من بطشها وتنكيلها.هذا السياق مفهوم ومعروف لدى الجميع، إلا أن سياق حديث الوزيرة بخصوص «حل الدولتين» خرج عن كافة السياقات وطبيعة الأمور، فلا أحد من قبل تحدث بهذا المنطق المقلوب، الذي يجعل من دولة الاحتلال في موقع الضحية الباحثة عن الأمن والاستقرار، والساعية لضمانات دولية بعدم تهديدها مستقبلاً رغم كل ما تمارسه من هجوم وحشي على غزة تعدى كل الخطوط وخرج من مساحات رد الفعل إلى مساحات أخرى مرتبطة بسياسات التهجير والتوسع.الواقع الذي تعاكسه الوزيرة الألمانية واضح، ولا يحتاج إلى الكثير من التحليل، فبدون دولة فلسطينية ذات سيادة، وحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية تغير من الواقع الفلسطيني لن تنعم المنطقة بالاستقرار والسلام، وستبقى فترات الهدوء التي تشهدها ليست سوى فترات هدنة تعقبها عواصف التصعيد والتوتر.أكثر من سبعة عقود مضت على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شهدت حروبا وصراعات عديدة، استخدمت فيها إسرائيل كل أنواع العسكرة والقوة الوحشية، والنتيجة واضحة للجميع فالشعب الفلسطيني لن يختفي من الوجود ويجف نسله، وستجد إسرائيل دائماً من يطالب بالحقوق ويسعى لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والتاريخ حافل بالشواهد التي تؤكد أن سبعة عقود ليست شيئاً يذكر في التاريخ فالحقوق المرتبطة بالوجود والعيش بكرامة لا تسقط بالتقادم وإن مضى عليها مئات السنين.ما يحدث اليوم لا يمكن إخراجه عن سياقه التاريخي، وهو ليس سوى فصل جديد من فصول الصراع بين دولة احتلال وشعب باحث عن حقه بالعيش في دولة مستقلة، والتصعيد الجاري والذي قد يشعل المنطقة بأكملها في أي لحظة حذر منه الكثير من عقلاء المنطقة، فالانفجار كان قادماً سواء من غزة أم من الضفة الغربية، ولم يكن الأمر سوى مسألة وقت.العالم عليه أن يستوعب أن لا أمن ولا سلام ولا استقرار من دون السلام العادل والشامل الذي يشكل حل الدولتين سبيله الوحيد، وأن إسرائيل ستبقى محاطة بسياج من الخوف وعدم القبول ما دام هناك فلسطيني يعيش في سجن مفتوح لا يستطيع معه التمتع بأبسط الحقوق، فأساس الصراع هو مع الشعب الفلسطيني والقفز عن هذه الحقيقة لن يحقق الأمن لإسرائيل حتى وإن تمتعت بعلاقات طبيعية مع جميع دول العالم دون استثناء.حديث الوزيرة الألمانية يتماهى تماماً مع سردية اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهي سردية تقوم على أساس إلغاء الآخر، وهذه السردية من الواضح أنها تجد قبولاً لدى عواصم عالمية عديدة، وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى تعنت حكومة بنيامين نتنياهو، ورفضه لأي مسارات تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، فالعقيدة الليكودية وعقيدة الأحزاب المتطرفة تؤمن بأرض إسرائيل الكبرى، وهذه العقيدة لن تتغير وتقبل بحلول وتسويات سياسية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ما دام هناك دول ترى بأن أمن إسرائيل هو الطريق إلى السلام رغم أن المنطق والواقع والتاريخ يقول إن السلام هو الذي يؤدي للأمن والاستقرار وليس العكس

















