+
أأ
-

د. رزان ابراهيم تكتب :فيلم الجوكر والنقد التحليلي لوليد سيف

{title}
بلكي الإخباري

بقلم : الدكتورة رزان ابراهيم - جامعة البتراء





إن عظمة السرد لا تكمن أحياناً في ابتداع موضوع عام وإنما في ابتداع كيفيات جديدة في معالجته وإقناع المشاهد بها.
وليد سيف
كنت قد شاهدت فيلم الجوكر منذ ايام وقلت فيه ما قلت من انطباع سريع. أما وإن وليد سيف المعروف بصلته القوية في الدراما كتابة ونقدا قد شاهد الفيلم، وهو من كان قد قدم نقدا رائعا من قبل لفيلم أفاتار، فإنني أنقل عنه اللحظة رأيه النقدي التحليلي العميق التالي في الجوكر الذي أحببت إشراك الأصدقاء والصديقات فيه لما وجدت فيه من ملامح تشبه عالمنا إلى حد كبير.





فيلم الجوكر عمل هام يثير التأمل ويستحق النظر. والحبكة على أي حال ليست معقدة. وهي من الثيمات السردية العامة المطروقة. أعني تواطؤ ظروف القهر والظلم والتهميش على الإنسان حتى لحظة التحول والانفجار في وجه النظام الاجتماعي المختل. ولكن الانفجار هنا لا يأخذ شكل الثورة ذات الرسالة الأخلاقية للتغيير العام نحو العدالة والحرية. إنما يأخذ شكل الانتقام الفردي والتحول إلى القتل والجريمة. وهنا نرى أن الحد الفاصل بين الخير والشر والحق والباطل هو حد ملتبس وأن تعريفاتها ذاتية تختلف باختلاف الأطراف المتصادمة. ولكن المفارقة أن تحول الجوكر الى العنف ضد مضطهديه قد نقله من حال الخنوع والاستسلام والضعف الى حال التمكين والقوة والتحكم. وعزز ذلك عنده أنه لم يكن ليأبه بالعواقب ، أي أن غريزة البقاء قد تلاشت عنده، وهذا يجعله أكثر جرأة حتى القتل في الاستوديو أمام ملايين المشاهدين. فالضعف ليس صفة فطرية لازمة ، وقد ينطوي الضعيف على قوة خفية لا يدركها حتى صاحبها حتى تطلقها الظروف القاهرة لا سيما حين يُدفع الانسان الى وضع اليائس الذي يشعر انه لم يعد يملك ما يخسره. والمفارقة الأخرى أنه وجد نفسه دون تخطيط يتحول الى أيقونة لحالة الاحتجاج الجماعي من الطبقات المقهورة. بل امتد التأثير إلينا نحن المشاهدين الذين شعرنا بحالة التطهير الأرسطية وهو يمارس الانتقام الدموي. فقد انحازت اليه مشاعرنا وهو ينفجر بنوبة الثأر وشعرنا انه يمارس ذلك نيابة عنا ضد قوى الظلم والقهر والاضطهاد . وهذا مثال على قدرة الدراما الهائلة على استدراج المتلقي للتماهي مع منطق الحبكة وابطالها من وجهة نظر المعالجة ولو كان ذلك يعني تعطيل أحكامنا الأخلاقية العامة خارج التفاعل مع الدراما المعنية.

المنعطف الهائل الذي حققته المعالجة أنها أبطلت تصورنا لشخصية الجوكر التي استقرت في مخيلتنا عبر عشرات السنين من خلال قصص باتمان المصورة والسينمائية. فقد كان دائماً رمز الشر الذي نتمنى دماره وندور مع باتمان وتتوتر مشاعرنا معه ونتقمصه في مواجهاته مع الجوكر. ونشعر بالإحباط حين تنتهي القصة دون القضاء عليه. كل هذه الخلفية استطاعت المعالجة الدرامية الفذة في هذا الفيلم تغييبها لنتعاطف الآن مع الجوكر ونتماهى معه ونسوغ له. وفِي رأيي ان ذلك قد دمر صورة باتمان التقليدية وغرّبنا عنه. فلم نشعر بأي تعاطف مع الصبي الذي سيكون باتمان في المستقبل وهو يقف ساكناً جامداً بلا أي تعبير عاطفي بين جثتي أبيه الثري والمسؤول الفاسد المتعجرف وأمه. وهذه من أكبر مفارقات العمل والتواءاته السردية عن المألوف.

أخيراً أقول إن عظمة السرد لا تكمن أحياناً في ابتداع موضوع عام وإنما في ابتداع كيفيات جديدة في معالجته وإقناع المشاهد بها. وهذا ما حققه هذا الفيلم. أما تمثيل الجوكر فسيبقى علامة فارقة في تاريخ السينما










المفكر الدكتور وليد سيف