د.محمد العرب : الأردن… نافذة الخلاص ودار النشامى

الأردن، تلك الأرض التي تتنفس عبق التاريخ وتحمل في أرجائها حكايات عبرت الأزمان وألهمت الشعوب، هو الوطن الذي يُخفي بين جباله وأوديته إرثاً متجذراً عبر آلاف السنين، شهد الأردن مرور حضارات عظيمة، تركت آثاراً خالدة تُسرد كحكايات تروي قصة صمود وشموخ….
هنا في مدينة البتراء الوردية، نحت الأنباط مجدهم في صخورها الوردية، وفي جرش، صاغ الرومان قصتهم عبر أعمدة ضخمة تحكي عن أزمنة القوة والعظمة ، وما قبلها هناك مدائن وتلال حملت قصص ملوك وفلاسفة، فبقيت الأرض شاهدة على حضارات لا تموت، بل تُعاد روايتها مع كل جيل.
في الأردن، يتعانق التاريخ والجغرافيا ليصنعا لوحة طبيعية نادرة، تدهش الناظر بتنوعها وتفاصيلها. أرضه موزعة بين جبال خضراء تتنفس نسمات باردة في عجلون، وصحراء شاسعة تمتد في وادي رم بجمالها الأحمر وكأنها تضاريس كوكب آخر، تتراقص بألوان الرمال وتحتضن زوارها تحت نجوم ساطعة تعيد صياغة معنى السكون والجمال. وهناك البحر الميت، حيث الهدوء العميق يلامس الروح، ومن خلاله يشعر المرء كأنه في حضرة العصور القديمة، بينما أمواج العقبة تُداعب الزوار على سواحل البحر الأحمر، تبث الدفء في قلب كل من يقف أمامها. هذه التضاريس المتنوعة جعلت من الأردن ملتقى للبيئات المختلفة، ومناظر طبيعية قلّما تجتمع في مكان واحد.
أما النشامى، أبناء هذه الأرض، فهم القصة الحقيقية للأردن. هؤلاء الذين يستمدون فخرهم من صلابة جبالهم وكرم سهولهم، يعيشون كرماً أصيلاً ونخوة متجذرة. فالأردنيون يستقبلون ضيوفهم بأذرع مفتوحة، وفي مجالسهم تتسع المقاعد للجميع، ويتصدر كرم الضيافة مشهد حياتهم اليومية. يُقدّم الخبز والشاي والزاد بابتسامة، يعكس أصالة لا تُشترى. في الأعراس، تتصاعد الأهازيج وتُرفع الرايات، بينما تتعالى الزغاريد كأصوات فرح تلامس الأرواح. أما في الأعياد، فتجد العائلات تجتمع حول موائدهم الشهيرة التي تحمل منسفاً، ذلك الطبق الأردني التقليدي الذي يجسد تاريخاً من العطاء وروح التكاتف الأسري.
ولا يمكن أن نتحدث عن الأردن دون التوقف عند الإنسان الأردني، ذلك الشامخ الذي يجمع بين بساطة العيش والإصرار على التقدم ، هم النشامى والنشميات الذين يحملون قلوباً عامرة بالإرادة، لا تكسرهم الظروف، بل تزيدهم صلابة ، في وجوههم تتجلى حكمة السنين، وفي عيونهم تنعكس قصص الصمود التي تجعلهم يتفردون بشخصية لا تشبه إلا ذاتها ، كل أزمة مرت عليهم تركت أثراً في ملامحهم، ولكنها أضافت لهم عمقاً يليق بأرضٍ صنعت رجالاً لا يهابون التحديات.
الأردن، نافذة الخلاص لكل من قصدها، ودار النشامى الذين يستقبلون ضيوفهم بحب واعتزاز، فيتشاركون معهم روحاً من الأخوة. الأردن حكاية من الأصالة والكرامة، ورمز للشموخ العربي حيث تتعانق الطبيعة مع التاريخ، ويقف الإنسان الأردني مثالاً للنبل والشجاعة، يحمل إرثاً يمتد عبر الأجيال، ليظل الأردن دائماً في الذاكرة والوجدان ، هذه المشاعر تتدفق دوما كلما اقترب موعد لقاء الأردن ، نلتقيكم على خير



















