تأثيرات العامل الكردي على حسابات العنف والعنف المضاد

بلكي الإخباري عبد المنعم حسن الحواتي*
تحدثت الوسائط الاعلامية مؤخرا وبكثافة عن تطورات الاحداث والوقائع المتعلقة بانخراط الحركات الكردية في المواجهات العسكرية والفعاليات الدبلوماسية الجارية حاليا في منطقة شرق المتوسط ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حملة قوات البشمركة الكردية العراقية ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ، وحملة وحدات حماية الشعب في المناطق الكردية السورية ضد تنظيم الدولة الاسلامية(داعش) وبقية فصائل المعارضة السورية المسلحة مثل الجيش الحر ، وجبهة النصرة: فماهي يا ترى طبيعة العامل الكردي ؟ وما مدى نطاق تاثيره في المنطقة وهل سيتمدد هذا النطاق ام سوف يتراجع وينكــمش ليتمدد مرة اخرى متى ما برزت الظروف الملائمة ؟
الصراع الشرق متوسطي : حركية العامل الكردي
يتواجد الاكراد ضمن مناطق تقاطعات الحدود السورية – العراقية – الايرانية – التركية ، وبفعل تقسيمات هذه الحدود فقد اصبحت المنطقة الكردية منقسمة ضمن اربعة كيانات الامر ادى الى اربعة انقسامات موازية لذلك في النسيج الاجتماعي الكردي ، وبفعل النهوض القومي الاجتماعي في الاوساط المجتمعات الكردية فقد برزت العديد من المواجهات بينهم و بين الدول التي يتواجدون ضمن نطاقها السيادي ، وفي هذا الخصوص يمكن استعراض ابرز المعطيات الميدانية الجارية على النحو الاتي :
المسرح الكردستاني السوري : يقع في المناطق الشمالية المتاخمة لشمال العراق وجنوب شرق تركيا ، وقد خاض الاكراد في هذا المسرح العديد من المواجهات المسلحة ضد بعض فصائل المعارضة السورية التي حاولت السيطرة على مناطقهم ، وعلى خلفية النصر الذي تحقق للاكراد اضافة الى التزام جيش النظام السوري بالحياد فقد سعى الاكراد الى استثمار نتائج الانتصار لاكمال السيطرة العسكرية على مناطقهم ثم التوجه نحو ممارسة السيطرة السياسية بالاعلان عن قيام منطقة حكم ذاتي كردي تتكون من ثلاث مناطق فرعية اطلقوا عليها تسمية كانتونات وهي : كانتون الجزيرة – كانتون كوباني – كانتون عفرين .
المسرح الكردستاني العراقي : بعد انهيار نظام صدام حسين واكتمال الاحتلال الامريكي للعراق ، سعت القوى الكردية لجهة المشاركة في عملية قسمة السلطة والثروة ، وبالفعل قامت بالتوافق على صيغة لضبط توازنات المصالح بين قطبيها الرئيسيين وهما : الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني ومركزه اربيل ، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني ومركزه السليمانية ، وادى هذا التوافق لضبط التوازنات على المستويين المحلي الكردي والوطني العراقي ، بحيث تولى جلال الطالباني منصب الرئيس العراقي ، وتولى مسعود البرزاني منصب رئيس حكومة اقليم كردستان ، وتم بعد ذلك توحيد الفصائل المسلحة الكردية ضمن اطار قوات البشمركة ، والتي اصبحت تضطلع بدور قوات كردستان المسلحة ، وتم انشاء وزارة خاصة بها تحت اسم وزارة شئون البشمركة و التي اصبحت تعمل ك ( وزارة دفاع كردستانية عراقية غير معلنة ) .
شنت قوات البشمركة المزيد من العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) واستطاعت ابعاده عن المناطق الكردية ولاحقته في العديد من المناطق العراقية المتاخمة لاقليم كردستان العراقي ، هذا وتجدر الاشارة الى ان قوات البشمركة لم تسعى لاستثمار الانتصارات التي حققتها ضد تنظيم داعش ، واكتفت بالوقوف حصرا عند تخوم بعض المناطق المختلف على تبعيتها مع الحكومة العراقية ، كمدينة الموصل مثلا .
المسرح الكردستاني الايراني : شهد مواجهات متقطعة بين قوات حزب الحياة الحرة الكردي الايراني ،وقوات الحرس الثورى الايراني ، هذا ، ويشهد هذا المسرح حاليا قدرا من الهدوء النسبي مقارنة بالمسارح الكردستانية الاخرى وتوجد بعض النظريات التفسيرية حول هذا الهدوء النسبي، ومن ابرزها ثلاثة. النظرية التفسيرية الاولى تقول : أن تعامل القوات الايرانية بوحشية مع الفعاليات الكردية ادى الى جعلها تكف عن ممارسة اعمال العنف وقفا للخسائر وعلى امل استعادة الحيوية والانخراط في دوامة الصراع مرة اخرى. النظرية التفسيرية الثانية تقول : ان حزب الحياة الحرة الكردي الايراني هو مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي وهذا الاخير بسبب انشغاله لجهة دعم جناحة الاخر السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقوده صالح مسلم من اجل تثبيت اقليم كردستان السوري الذي تم الاعلان عنه من طرف واحد بواسطة الاكراد السوريين تحت اسم روزافا ( اى الغرب ) ، فان تهدئة مسرح المواجهة الكردستاني الايراني تعتبر امرا ضروريا من اجل توفير الجهود وعدم تشتيت القدرات. اما النظرية التفسيرية الثالثة فتقول : يوجد عدد كبير من الاكراد الايرانيين الشيعة وبسبب انتماء اكراد العراق وسوريا وتركيا الى المذهب السني فان الاعداد الكبيرة من الاكراد الايرانيين الشيعة اصبحت اكثر ميلا لجهة التعاون والاندماج ضمن النظام الشيعي الايراني الامر الذي اضعف فعاليات المعارضة الكردية المسلحة في منطقة كردستان الايرانية .
المسرح الكردستاني التركي : اشتعل هذا المسرح بشكل مرتفع الشدة خلال حقبة تسعينات القرن الماضي بفعل صعود نفوذ حزب العمال الكردستاني التركي وزعيمة القوي عبد الله اوجلان ، وتميزت المواجهات بارتفاع اعداد الضحايا والدمار الشديد ، هذا وتميز الحراك الكردي في تركيا بالقدرة على التكيف والمناورة وذلك على النحو الذي اتاح للاكراد اعتماد قواعد اشتباك تقوم على مبدأ الترغيب السياسي والترهيب العسكري ، .وعلى اساس اعتبارات الترغيب تكون هناك كتلة برلمانية تعمل كواجهة وصوت لحقوق الأكراد الأتراك ، وكلما وجدت هذه الكتلة التعاون من جانب القوى السياسية التركية ، كلما انخفضت بالمقابل حدة العمليات العسكرية من جانب حزب العمال الكردستاني التركي . وفي هذا الخصوص فقد تحدثت تقارير اجهزة الامن التركية مرارا وتكرارا قائلة بان : حزب الشعوب الديمقراطي الناشط في البرلمان التركي ما هو الا واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني .
تمثل المسارح الكردستانية الاربعة المشار اليها اجزاء من دول متجاورة ، ولكن برغم ذلك فان ارتباط هذه المسارح ببعضها البعض هو اقوى من ارتباطها بالدول الموجوده فيها ، وتجدر الاشارة بان هذه المسارح تشكلت على خلفية نتائج الحرب العالمية الاولي ، والتي اسفرت عن تفكيك الامبراطورية العثمانية والتطورات الجيوسياسية التي اعقبت ذلك بحيث اصبحت كردستان التركيه ضمن تركيا الاتاتوركية ، واصبحت كردستان العراقية ضمن العراق الخاضع للحكم الاستعماري البريطاني وكردستان السورية ضمن سورية الخاضعة للحكم الاستعماري الفرنسي وكردستان الايرانية ضمن ايران المحكومة بواسطة النظام البهلوي الى حين قيام اكراد ايران باطلاق الثورة والعصيان وكان ذلك تحديدا في عام 1979 م ، وهي السنة التي اخذ فيها التمرد الكردي الايراني اتجاها جديدا لجهة الارتباط بالحركات الكردستانية المجاورة وبالذات في كردستان التركية وكردستان العراقية .
المسارات الكردستانية المزدوجة :اشكاليات العنف والعنف المضاد
اضفت الجغرافيا الكردستانية المزيد من التعقيدات على خارطة الصراع الكردي ، وفي هذا الخصوص سعت الحركيات الكردستانية الأربعة نحو تحقيق الاستقلال القومي الإجتماعي ، وبالمقابل لذلك فقد سعت الدول الأربعة المعنية بالمسألة الكردية (العراق ـ سوريا – ايران – تركيا ) لجهة الحفاظ على سلامة وحدتها الوطنية من خطر الانقسامات والتمرد والحركات الانفصالية ، الامر الذي جعل اطراف مربع دمشق – بغداد – طهران – انقرا ، اكثر اهتماما باعتماد خيارات قمع واخماد التوجهات القومية الاجتماعية الكردية في مهدها المبكر بما يتيح لها تحقيق المزيد من الوقائية والحمائية لوحدة ترابها الوطني ، وكامتداد لذلك نلاحظ ان استراتيجيات مكافحة الحركات الكردية تضمنت الاتي :
الوسائل العسكرية : اعتمدت الدول الاربعة عمليات مكافحة التمرد كوسيلة للردع الوقائي لاجهاض التمرد قبل حدوثه ، وايضا كوسيلة للردع العلاجي بما يؤدي للقضاء على التمرد ان وقع بالفعل ، وفي الحالتين الوقائية والعلاجية تتم عملية التوظيف الدقيق للعنف العسكري المرتفع الشدة بشكل في اغلب الاحيان لا يفرق بين المسلحين والسكان المدنيين الاكراد باعتبارهم يشكلون البيئة الحاضنة الداعمة لهؤلا المسلحين . واضافة لذلك على سبيل المثال نلاحظ ان القوات التركية ظلت عادة لا تكتفي بشن العمليات ضمن حدود تركيا بل تقوم بالمزيد من العمليات العسكرية الكبيرة العابرة للحدود وبالذات في مناطق شمال العراق وذلك من اجل توجيه الضربات ضد معسكرات ومقرات حزب العمال الكردستاني الكردي الموجودة في مناطق كردستان العراقية .
الوسائل المخابراتية : سعت اجهزة مخابرات الدول الاربعة لجهة متابعة القوى الكردية وزعمائها اضافة الى تبادل المعلومات والقيام بعمليات الرصد والتدقيق والتحقيقات والاعتقالات بما يتيح الكشف عن العناصر والخلايا وتفكيك الشبكات اضافة الى اعداد ورفع التقارير التي توضح طبيعة ومدي فعاليات المخاطر الماثلة والمحتملة للحركيات الكردية .
الوسائل السياسية : ركزت على ضبط مشاركة الاكراد السياسية ضمن حدود معينة لا تشمل القضايا والمسائل المتعلقة بخصوصية الحقوق الكردية ، وبكلمات اخرى يستطيع الاكراد المشاركة السياسية ولكن توجد خطوط حمراء يتوجب عليهم عدم تجاوزها .
الوسائل الاجتماعية : سعت الى محاولة تفكيك النسيج الاجتماعي الكردي اضافة الى تذويب ودمج مكوناته الثقافية واللغوية وايضا دفع المجتمعات الكردية نحو المزيد من النزوح والشتات داخل وخارج بلدانهم ، ووصل الامر الى الحد من ممارسة الثقافة الفولكلورية العادية ، بما يمكن ان يؤدي عمليا الى اسقاط صفة الهوية اضافة الى ممارسة المزيد من التنميط السلبي والاقصاء والاجتماعي .
الوسائل الاقتصادية: انعدام التنمية وانخفاض مستوى الدخل وعدم عدالة توزيع الموارد ادت مجتمعة الى جعل المناطق الكردية الاربعة بمثابة الاكثر فقرا والاكثر تخلفا في بلدانها ، الامر الذي ادى بدوره الى المزيد من التهميش والمزيد من الدفع باتجاه فقدان صفة المواطنة .
ان بقاء او عدم بقاء الاكراد ضمن الوضع الراهن يرتبط بثلاث متغيرات اولها : طموحات الاكراد القومية الاجتماعية ، وثانيها مدى قدره الدول الاربع ( سوريا – العراق - ايران- تركيا ) على بناء الثقة والمصداقية في التعامل مع الملفات الكردية ، وثالثها هو تأثير العامل الخارجي الاقليمي والدولي ، وذلك على اساس اعتبارات ان فعاليات النظام الدولي اصبحت اكثر خطورة لجهة التدخل من اجل تحريك الملفات الداخلية في بلدان الشرق الاوسط وعلى وجه الخصوص البلدان الشرق متوسطية الوثيقة الصلة بملفات الصراع العربي – الاسرائيلي ، وملفات النفط والغاز .
محلل سياسي سوداني
تحدثت الوسائط الاعلامية مؤخرا وبكثافة عن تطورات الاحداث والوقائع المتعلقة بانخراط الحركات الكردية في المواجهات العسكرية والفعاليات الدبلوماسية الجارية حاليا في منطقة شرق المتوسط ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حملة قوات البشمركة الكردية العراقية ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ، وحملة وحدات حماية الشعب في المناطق الكردية السورية ضد تنظيم الدولة الاسلامية(داعش) وبقية فصائل المعارضة السورية المسلحة مثل الجيش الحر ، وجبهة النصرة: فماهي يا ترى طبيعة العامل الكردي ؟ وما مدى نطاق تاثيره في المنطقة وهل سيتمدد هذا النطاق ام سوف يتراجع وينكــمش ليتمدد مرة اخرى متى ما برزت الظروف الملائمة ؟
الصراع الشرق متوسطي : حركية العامل الكردي
يتواجد الاكراد ضمن مناطق تقاطعات الحدود السورية – العراقية – الايرانية – التركية ، وبفعل تقسيمات هذه الحدود فقد اصبحت المنطقة الكردية منقسمة ضمن اربعة كيانات الامر ادى الى اربعة انقسامات موازية لذلك في النسيج الاجتماعي الكردي ، وبفعل النهوض القومي الاجتماعي في الاوساط المجتمعات الكردية فقد برزت العديد من المواجهات بينهم و بين الدول التي يتواجدون ضمن نطاقها السيادي ، وفي هذا الخصوص يمكن استعراض ابرز المعطيات الميدانية الجارية على النحو الاتي :
المسرح الكردستاني السوري : يقع في المناطق الشمالية المتاخمة لشمال العراق وجنوب شرق تركيا ، وقد خاض الاكراد في هذا المسرح العديد من المواجهات المسلحة ضد بعض فصائل المعارضة السورية التي حاولت السيطرة على مناطقهم ، وعلى خلفية النصر الذي تحقق للاكراد اضافة الى التزام جيش النظام السوري بالحياد فقد سعى الاكراد الى استثمار نتائج الانتصار لاكمال السيطرة العسكرية على مناطقهم ثم التوجه نحو ممارسة السيطرة السياسية بالاعلان عن قيام منطقة حكم ذاتي كردي تتكون من ثلاث مناطق فرعية اطلقوا عليها تسمية كانتونات وهي : كانتون الجزيرة – كانتون كوباني – كانتون عفرين .
المسرح الكردستاني العراقي : بعد انهيار نظام صدام حسين واكتمال الاحتلال الامريكي للعراق ، سعت القوى الكردية لجهة المشاركة في عملية قسمة السلطة والثروة ، وبالفعل قامت بالتوافق على صيغة لضبط توازنات المصالح بين قطبيها الرئيسيين وهما : الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني ومركزه اربيل ، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني ومركزه السليمانية ، وادى هذا التوافق لضبط التوازنات على المستويين المحلي الكردي والوطني العراقي ، بحيث تولى جلال الطالباني منصب الرئيس العراقي ، وتولى مسعود البرزاني منصب رئيس حكومة اقليم كردستان ، وتم بعد ذلك توحيد الفصائل المسلحة الكردية ضمن اطار قوات البشمركة ، والتي اصبحت تضطلع بدور قوات كردستان المسلحة ، وتم انشاء وزارة خاصة بها تحت اسم وزارة شئون البشمركة و التي اصبحت تعمل ك ( وزارة دفاع كردستانية عراقية غير معلنة ) .
شنت قوات البشمركة المزيد من العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) واستطاعت ابعاده عن المناطق الكردية ولاحقته في العديد من المناطق العراقية المتاخمة لاقليم كردستان العراقي ، هذا وتجدر الاشارة الى ان قوات البشمركة لم تسعى لاستثمار الانتصارات التي حققتها ضد تنظيم داعش ، واكتفت بالوقوف حصرا عند تخوم بعض المناطق المختلف على تبعيتها مع الحكومة العراقية ، كمدينة الموصل مثلا .
المسرح الكردستاني الايراني : شهد مواجهات متقطعة بين قوات حزب الحياة الحرة الكردي الايراني ،وقوات الحرس الثورى الايراني ، هذا ، ويشهد هذا المسرح حاليا قدرا من الهدوء النسبي مقارنة بالمسارح الكردستانية الاخرى وتوجد بعض النظريات التفسيرية حول هذا الهدوء النسبي، ومن ابرزها ثلاثة. النظرية التفسيرية الاولى تقول : أن تعامل القوات الايرانية بوحشية مع الفعاليات الكردية ادى الى جعلها تكف عن ممارسة اعمال العنف وقفا للخسائر وعلى امل استعادة الحيوية والانخراط في دوامة الصراع مرة اخرى. النظرية التفسيرية الثانية تقول : ان حزب الحياة الحرة الكردي الايراني هو مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي وهذا الاخير بسبب انشغاله لجهة دعم جناحة الاخر السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقوده صالح مسلم من اجل تثبيت اقليم كردستان السوري الذي تم الاعلان عنه من طرف واحد بواسطة الاكراد السوريين تحت اسم روزافا ( اى الغرب ) ، فان تهدئة مسرح المواجهة الكردستاني الايراني تعتبر امرا ضروريا من اجل توفير الجهود وعدم تشتيت القدرات. اما النظرية التفسيرية الثالثة فتقول : يوجد عدد كبير من الاكراد الايرانيين الشيعة وبسبب انتماء اكراد العراق وسوريا وتركيا الى المذهب السني فان الاعداد الكبيرة من الاكراد الايرانيين الشيعة اصبحت اكثر ميلا لجهة التعاون والاندماج ضمن النظام الشيعي الايراني الامر الذي اضعف فعاليات المعارضة الكردية المسلحة في منطقة كردستان الايرانية .
المسرح الكردستاني التركي : اشتعل هذا المسرح بشكل مرتفع الشدة خلال حقبة تسعينات القرن الماضي بفعل صعود نفوذ حزب العمال الكردستاني التركي وزعيمة القوي عبد الله اوجلان ، وتميزت المواجهات بارتفاع اعداد الضحايا والدمار الشديد ، هذا وتميز الحراك الكردي في تركيا بالقدرة على التكيف والمناورة وذلك على النحو الذي اتاح للاكراد اعتماد قواعد اشتباك تقوم على مبدأ الترغيب السياسي والترهيب العسكري ، .وعلى اساس اعتبارات الترغيب تكون هناك كتلة برلمانية تعمل كواجهة وصوت لحقوق الأكراد الأتراك ، وكلما وجدت هذه الكتلة التعاون من جانب القوى السياسية التركية ، كلما انخفضت بالمقابل حدة العمليات العسكرية من جانب حزب العمال الكردستاني التركي . وفي هذا الخصوص فقد تحدثت تقارير اجهزة الامن التركية مرارا وتكرارا قائلة بان : حزب الشعوب الديمقراطي الناشط في البرلمان التركي ما هو الا واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني .
تمثل المسارح الكردستانية الاربعة المشار اليها اجزاء من دول متجاورة ، ولكن برغم ذلك فان ارتباط هذه المسارح ببعضها البعض هو اقوى من ارتباطها بالدول الموجوده فيها ، وتجدر الاشارة بان هذه المسارح تشكلت على خلفية نتائج الحرب العالمية الاولي ، والتي اسفرت عن تفكيك الامبراطورية العثمانية والتطورات الجيوسياسية التي اعقبت ذلك بحيث اصبحت كردستان التركيه ضمن تركيا الاتاتوركية ، واصبحت كردستان العراقية ضمن العراق الخاضع للحكم الاستعماري البريطاني وكردستان السورية ضمن سورية الخاضعة للحكم الاستعماري الفرنسي وكردستان الايرانية ضمن ايران المحكومة بواسطة النظام البهلوي الى حين قيام اكراد ايران باطلاق الثورة والعصيان وكان ذلك تحديدا في عام 1979 م ، وهي السنة التي اخذ فيها التمرد الكردي الايراني اتجاها جديدا لجهة الارتباط بالحركات الكردستانية المجاورة وبالذات في كردستان التركية وكردستان العراقية .
المسارات الكردستانية المزدوجة :اشكاليات العنف والعنف المضاد
اضفت الجغرافيا الكردستانية المزيد من التعقيدات على خارطة الصراع الكردي ، وفي هذا الخصوص سعت الحركيات الكردستانية الأربعة نحو تحقيق الاستقلال القومي الإجتماعي ، وبالمقابل لذلك فقد سعت الدول الأربعة المعنية بالمسألة الكردية (العراق ـ سوريا – ايران – تركيا ) لجهة الحفاظ على سلامة وحدتها الوطنية من خطر الانقسامات والتمرد والحركات الانفصالية ، الامر الذي جعل اطراف مربع دمشق – بغداد – طهران – انقرا ، اكثر اهتماما باعتماد خيارات قمع واخماد التوجهات القومية الاجتماعية الكردية في مهدها المبكر بما يتيح لها تحقيق المزيد من الوقائية والحمائية لوحدة ترابها الوطني ، وكامتداد لذلك نلاحظ ان استراتيجيات مكافحة الحركات الكردية تضمنت الاتي :
الوسائل العسكرية : اعتمدت الدول الاربعة عمليات مكافحة التمرد كوسيلة للردع الوقائي لاجهاض التمرد قبل حدوثه ، وايضا كوسيلة للردع العلاجي بما يؤدي للقضاء على التمرد ان وقع بالفعل ، وفي الحالتين الوقائية والعلاجية تتم عملية التوظيف الدقيق للعنف العسكري المرتفع الشدة بشكل في اغلب الاحيان لا يفرق بين المسلحين والسكان المدنيين الاكراد باعتبارهم يشكلون البيئة الحاضنة الداعمة لهؤلا المسلحين . واضافة لذلك على سبيل المثال نلاحظ ان القوات التركية ظلت عادة لا تكتفي بشن العمليات ضمن حدود تركيا بل تقوم بالمزيد من العمليات العسكرية الكبيرة العابرة للحدود وبالذات في مناطق شمال العراق وذلك من اجل توجيه الضربات ضد معسكرات ومقرات حزب العمال الكردستاني الكردي الموجودة في مناطق كردستان العراقية .
الوسائل المخابراتية : سعت اجهزة مخابرات الدول الاربعة لجهة متابعة القوى الكردية وزعمائها اضافة الى تبادل المعلومات والقيام بعمليات الرصد والتدقيق والتحقيقات والاعتقالات بما يتيح الكشف عن العناصر والخلايا وتفكيك الشبكات اضافة الى اعداد ورفع التقارير التي توضح طبيعة ومدي فعاليات المخاطر الماثلة والمحتملة للحركيات الكردية .
الوسائل السياسية : ركزت على ضبط مشاركة الاكراد السياسية ضمن حدود معينة لا تشمل القضايا والمسائل المتعلقة بخصوصية الحقوق الكردية ، وبكلمات اخرى يستطيع الاكراد المشاركة السياسية ولكن توجد خطوط حمراء يتوجب عليهم عدم تجاوزها .
الوسائل الاجتماعية : سعت الى محاولة تفكيك النسيج الاجتماعي الكردي اضافة الى تذويب ودمج مكوناته الثقافية واللغوية وايضا دفع المجتمعات الكردية نحو المزيد من النزوح والشتات داخل وخارج بلدانهم ، ووصل الامر الى الحد من ممارسة الثقافة الفولكلورية العادية ، بما يمكن ان يؤدي عمليا الى اسقاط صفة الهوية اضافة الى ممارسة المزيد من التنميط السلبي والاقصاء والاجتماعي .
الوسائل الاقتصادية: انعدام التنمية وانخفاض مستوى الدخل وعدم عدالة توزيع الموارد ادت مجتمعة الى جعل المناطق الكردية الاربعة بمثابة الاكثر فقرا والاكثر تخلفا في بلدانها ، الامر الذي ادى بدوره الى المزيد من التهميش والمزيد من الدفع باتجاه فقدان صفة المواطنة .
ان بقاء او عدم بقاء الاكراد ضمن الوضع الراهن يرتبط بثلاث متغيرات اولها : طموحات الاكراد القومية الاجتماعية ، وثانيها مدى قدره الدول الاربع ( سوريا – العراق - ايران- تركيا ) على بناء الثقة والمصداقية في التعامل مع الملفات الكردية ، وثالثها هو تأثير العامل الخارجي الاقليمي والدولي ، وذلك على اساس اعتبارات ان فعاليات النظام الدولي اصبحت اكثر خطورة لجهة التدخل من اجل تحريك الملفات الداخلية في بلدان الشرق الاوسط وعلى وجه الخصوص البلدان الشرق متوسطية الوثيقة الصلة بملفات الصراع العربي – الاسرائيلي ، وملفات النفط والغاز .
محلل سياسي سوداني



















