زيد ابو زيد يكتب ..إفريقيا بين عبث المستغلين وأفق التحرر والانعتاق

منذ قرون والقارة الافريقية مستهدفه من قبل المستعمرين بحثًا عن خيراتها الوفيرة وطبيعتها الخلابة وحتى وقت قريب البحث عن استعباد أهلها خدمة للتنمية في الولايات المتحدة الامريكية وقت ذاك لتشغيلهم في الحقول والمصانع والبيوت وكذلك في أوروبا، وهكذا بقي الحال لقرون وحتى عقود قريبه، وكانت الحملات المتوالية فرصة لتفجر صراعات استمرت بذورها حتى الآن إذ أنَّ الثابت في الصراع أنَ الاستعمار هو من أجج لهيبه وزاد اشتعاله عندما غادر إفريقيا وخلف وراءه تركة من الخلافات على الأرض والمياه ناهيك عن أزلامه وأتباعه وسماسرته.
منذ القرن الخامس عشر والدول الأوروبية ترابط في القارة الأفريقية وتأبى مغادرتها وترك الأفريقيين يحلون قضاياهم بأنفسهم ، لارتباط هذه القارة وبشكل خاص منطقة القرن الإفريقي بطرق التجارة الدولية من البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن إلى جانب ما ذكرناه عن ثرواتها، بل أنَ الصراع بين هذه الدول الأوروبية الاستعمارية على النفوذ في بعض المناطق عكس نفسه على الصراع في كل القارة الإفريقية، فلا الدول الأوروبية غادرت عقلية الطامع ، ولا الأفارقة استطاعوا الاستقلال بقرارهم عن مراكز القرار الأوروبية والامريكية فزادت محنتهم وفقرهم ، وتفشت فيهم مظاهر الأزمات والأمراض، مما شكل مدخلاً وحجة للتدخلات الأوروبية والغربية بعد ذلك، وهكذا توالت التدخلات فجاء البرتغاليون إلى إثيوبيا، ومن بعدهم الفرنسيون إلى جيبوتي عام 1862، ثم إيطاليا وبريطانيا وامريكا…الخ.
أما الآن فقد تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي بصورة ملحوظة وذلك في إطار أهمية هذه المنطقة جغرافياً واستراتيجيًا باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية، و تشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول، وقد أعادت الولايات المتحدة الأمريكية صياغة منطقة القرن الإفريقي من الناحية الجيواسترإتيجية لتعكس حقيقة سياسات الهيمنة والنفوذ ، و تم في هذا السياق إعادة تشكيل مفهوم القرن الإفريقي الكبير ليعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرق إفريقيا, بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى، وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول دفعت الاعتبارات الأمنية ببعض أدبيات التفكير الإستراتيجي الغربية إلى التوسع في استخدام مفهوم القرن الإفريقي ليشمل اليمن وربما بعض بلدان الخليج العربية.
وهكذا للأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي، وكذلك لأسباب أخرى ثقافية وسياسية ازدادت التدخلات الدولية من أجل السيطرة والنفوذ، و هو ما حدد بشكل كبير تطور الأحداث ومآلها في المنطقة, بيد أن درجة ومستوى هذه التدخلات تباينت من فترة زمنية إلى أخرى, ولا أدل علي ذلك من أن القرن الإفريقي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع العربي الصهيوني حتى إن بعض المحللين اعتبره جزء من منظومة الإقليم الإفريقي الشرق أوسطي، وهكذا فقد اجتذبت هذه المنطقة الحيوية قوى دولية أخرى على رأسها الصين والهند وايران وتركيا إضافة إلى قوى أوروبية ذات مصالح تقليدية وبالتأكيد الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تغيب عن أي كعكة أو منطقة نفوذ، وهذا يعني أن التنافس الدولي على الثروة والنفوذ في إفريقيا بشكل عام ومنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص قد أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إضفاء مزيد من التعقيد والتشابك على مجمل الصراعات التي تشهدها المنطقة، ولعل إشكالية القرصنة البحرية التي شهدتها سواحل المنطقة في وقت ما تعكس حقيقة هذه الطبيعة المعقدة لمنظومة صراعات القرن الأفريقي، ومن المبرر هنا أن نقول أن القرصنة أو الصعلكة البحرية كما أسميتها ذات مرة وقضايا الهجرة عبر البحار الى سواحل أوروبا مبررة في ظل الاستعباد والاستغلال.
إنَّ ما زاد الطين بله أنْ دخلت الولايات المتحدة إلى المنطقة بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، آمله بتحقيق نوع من النفوذ هناك، والحلول محل النفوذ الفرنسي والإيطالي والبرتغالي هناك، وفي إطار جعل تلك المنطقة منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، بعد اكتشاف النفط والذهب والغاز الطبيعي في المنطقة إلى جانب أنَ دول القرن تمتلك احتياطيات كبيرة من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم، كما أنها تمتلك ثروة مائية هائلة تكفي لسد حاجات الدول الأفريقية من المياه، وكذلك في إطار الرغبة الأميركية أيضاً في حصار ليبيا ومصر والسودان والشمال العربي والأفريقي، بل الدول العربية المطلة على البحر الأحمر عموما، ويؤكد ذلك إنشاءها قاعدة عسكرية في جيبوتي، بل وتأسيسها قيادة مركزية خاصة بأفريقيا (أفريكوم).
وتبع التدخل الأمريكي بل جاء مترافقاً معه وداعماً له التدخل الصهيوني الذي يريد تحقيق جملة من الأهداف معًا فمن جلب مهاجرين جدد الى المستعمرات الصهيونية الى التأثير على القرارات الافريقية الداعمة للحق الفلسطيني الى استغلال ثروات افريقيا، فازدادت الأزمات واشتعلت المنطقة وأصبحت ناراً ملتهبة في دارفور والصومال واريتريا وإثيوبيا وغيرها ، وبدأ عصر جديد من الصراعات في هذه المنطقة وهي مع بدأ الاستراتيجية الصهيونية في تنفيذ برامجها في القارة الإفريقية من هذا المنفذ الخطير شديد الأهمية أصبحت أكثر بؤساً .
لقد استغلت الولايات المتحدة فرنسا والغرب عمومًا الصراعات في إفريقيا أسوء استغلال ، وعبر مؤسسة الأمم المتحدة ومجلس الأمن النافذة فيه، والتي تسيره كيفما شاءت لخدمة أغراضها ومصالحها تدخلت في كل أماكن الصراعات، و دخلت بقواتها ضمن إطار قوات الأمم المتحدة في ذلك الوقت، و واستصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على أمراء الحرب والمليشيات .
ووفقاً للواقع فإننا نرى أن الضرورة تحتم دورًا عربيا رائدًا في هذه المنطقة من العالم رغم بؤس الحالة العربية الراهنة سيحقق للقارة الإفريقية وللقرن الإفريقي الاستقرار على المدى المتوسط والبعيد، وسيفشل التدخلات الأجنبية بشؤون القارة الإفريقية التي يمثل إقليم القرن الأفريقي من الناحية الجيوسياسية مركبًا صراعيًا وأمنيًا خاصًا، فثمة ارتباطات وتأثيرات متبادلة بين الصراعات وبؤر التوتر التي يشهدها الإقليم، ويلاحظ أن تلك الصراعات تنشأ في الغالب الأعم نتيجة التنافس على الموارد الطبيعية أو محاولات تحقيق الهيمنة والنفوذ من قبل المستعمرين وهو ما أضفى على الصراع مزيد من التعقيد والتشابك.
كما نرى في ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في إصلاح الخلل الذي أحدثه باستعمار القارة تقديم تعويضات مناسبة للأفارقة كنوع من الحل والاعتذار عما أحدثه من دمار وبؤس، الى جانب دور الاتحاد الإفريقي السياسي والعسكري والأمني في الحل وذلك لتحقيق السلام والتنمية، بعيداً عن أي تدخل خارجي.



















