زيد ابو زيد يكتب ..بين الوجع والهزال أخطو إلى العام الجديد

قد يبدو عنوان مقالتي غريبًا في مطلع عام ينظر إليه الجميع بتفاؤل بعد مشقة أيام صعبة عاشها جميع الناس في العام ٢٠٢٠ منتظرين محطة العام الجديد بأمل كبير وأنا معهم، ولكن الذي دفعني إلى هذا العنوان انشغالي بقضايا أمتي، وما تعانيه من ضروب القهر والضياع، والخضوع لضغط هذا وتهديد ذاك، فأشعر بالوجع ودوار الرأس أيامًا تتوالى؛ ما ينتج عنه هزال وضعف تمامًا كما يشعر تراب الأرض في وطني العربي الكبير الذي ألذُ للنشيد الذي يصدح به وطالما ردده والدي " وطني حبيبي الوطن الأكبر" نشيد أيام كانت العزة فيها مفخرة، والأرض التي تعبر عن الكلام بالعربية تهتف " وحدة ما يغلبها غلاب " ولعل ما قادني لهذا العنوان أنني كنت أقرأ أبياتًا للمتنبي وهو يصف حاله مع الحمى فأسمعه يقول:
يقول لي الطبيب دواك عندي وداؤك في الشرابِ وفي الطعامِ
وما في طبه أني جوادٌ أضرَ بجسمه طول الجِمامِ
فوجدتني أربط بين ما يعانيه وطني العربي وحالتي هذه، وحالة أبي الطيب رحمه الله من قبلي، فالعالم العربي لا تعوزه قلة المدارس والجامعات (( وأعتذر عن وجود الأمية في بعض أجزائه )) ولا تعوزه الأبراج التي يفاخر بها وتكاد تصل عنان السماء، ولا تعوز بعضه الأموال التي يشتري بها كل شيء حتى أحدث الأسلحة بمليارات الدولارات، والعالم العربي لا تعوزه كثرة المحطات الفضائية، (ومعذرةً على ما يبث فيها من غثٍ) والعالم العربي لا تعوزه كثرة الملاعب الرياضية (ومعذرة على عدم تحقيقه أي إنجاز عالمي) والعالم العربي لا تعوزه المشكلات (وعذرًا فهو لا يقوى على حل واحدة منها بما فيها مشكلة توفير اللقاحات لكافة مواطنيه ولا أقول إنتاجها).
إن العالم العربي لا يعوزه الطعام (ومعذرة على انتشار الجوع وغلاء الأسعار في كثير من أجزائه) ومع ذلك فداءُ العالم العربي ليس في كل ذلك، وإنما - واسمحوا لي- في ما قاله شاعر العربية (طول الجمام) أي في الراحة، والاستسلام واليأس (قاتل الله اليأس والاستسلام وجعلهما سبيل الضالين المقيمين في نار جهنم) إنني وأنا أشكو وجع وطني وهزاله إنما أتفجر غيظًا لما يجري هنا وهناك من استسلام لمؤامرات التقسيم والهدم الداخلي للأوطان بعد أن نجح أعداء أمتنا في هدم مفهوم الوحدة، مرجحين عليها مفهوم الإقليمية والمذهبية، داعين الأقليات القومية وبأخس أساليب الإغراءات إلى التمرد، ومن ثمَّ يأتي التدخل لخلخلة هذه الدولة أو تلك خدمة لأغراض الصهيونية الحاقدة واليمين المتطرف في بعض البلدان التي لا تكنُّ للعروبة سوى العداء، ولا للإسلام سوى التربص، وكل ذلك عملًا بسياستهم المشهورة (فرِّق تَسُد) والانقسام ستنشأ عنه مشكلات لا تقف عند حدّ عربيًّا وعالميًّا.
إنَ الوجع والهزال المتمثل في العالم العربي على شكل إرهاب متعصب تارة، وقمع لمن يريد أن يعبر عن رأيه تارة أخرى، وتمرد عند أصحاب بعض الفرق والجماعات الذين لم يفهموا جوهر الحرية والديمقراطية فأشعلوا الفتن وأشاعوا الفوضى تحت عناوين أعطتها بعض المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بريقًا، وهي في جوهرها مزيد من إثارة الفوضى وتقسيم للشعب، وحركات مسلحة أكلت الأخضر واليابس وهددت الإنسان والتراب بالضياع وفرقة لا تقف عند حد عند أبناء الشعب الواحد الذي يعاني التشرد وفقدان الهوية منذ أكثر من سبعين عامًا. ومقاومة الداعين إلى وحدة الوطن العربي التي تمثل القوة والصحة والقضاء على هذا الوجع يحتاج إلى دواء لا يتمثل في الطعام والشراب، وإنما يتمثل في الأخذ بأداء المخلصين ودراسته، وترجمته إلى واقع ينفذ على أرض الواقع، فالكلام كثير، والخطابات التي ألقيت في المؤتمرات قد عجز الورق عن حملها لغزارتها، ولكن التنفيذ ضاع، وكيف لا يضيع، وأصحاب الرأي والمشورة سرعان ما ينسون ما قالوا وما خطوا، وحين تذكرهم يقولون : " آفة العلم النسيان " وإن كان هذا ينطبق على حفظ قصيدة أو وِردٍ ولا ينطبق على مصائر شعوب وأمم "." ومعذرة سادتي هنا ".
إنني وأنا أشكو وجعي ووجع أمتي، وهزال حالي وهزال أمتي لست يائسًا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ففي الأمة مقدرات هائلة، وثروات طائلة لا تتمثل بما في جوف الأرض فقط، وإنما في شبابها الذي إن أعطوا الفرصة سيتحولون ماردًا جبارًا، ونرجو من الله أن يكون الأردن أنموذجًا عربيًّا وعالميًّا في حل مشاكله والانطلاق إلى المستقبل بخطى واثقة وهو يعبر مئويته الأولى إلى مئويته الثانية بقيادته الهاشمية الفذة.
إنَ الوجع والهزال في أمتي ليس في الطعام والشراب، وإنما في قيود فرضت، وقلوب شقها الخوف، وعقول غلفتها المصالح الفردية، فلم تعد تعي تشخيص الداء ولا وصف الدواء. ولعل الحكمة في قول الشاعر: وليس يصح في الإفهام شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل.



















