تأملات في الرزنامة الشعبية

بلكي الإخباري د. صالح الشوره
لم تكن الأمثال محصلة نزوة عابرة، عبّر عنها البعض جرّاء ملاحظة مباشرة. وإنما أتت ثمرة ملاحظات متواصلة وتجارب عديدة. ولم تكن مجرد كلام أو صوغ أشعار أو حكم، بل هي انعكاسات لظروف معينة عاشها الإنسان عبر الزمن.
أن التقاويم قديمها وحديثها تقوم على أسس فلكية وهي إشارات للدلالات المناخية. وكان السومريون أول من استخدم التقويم القمري، كما أستخدمه البابليون أيضا، أما الكلدانيين فقد كانوا يستخدمون التقويمين القمري والشمسي معا. والتقويم القمري يكاد يقترن باسم التقويم العربي، لأن العرب من قديم الزمان اعتمدوا القمر أساساً في تقويمهم. وفي بعض الأحيان، من تاريخهم، استخدموا السنة الشمسية وكانوا يكبسون شهر ربيعي كل 4 سنوات ليكون 31 يوم. إن ما يميز التقويم القمري العربي، هو أن الشهور القمرية فيه متحركة عبر السنة الشمسية بمعدل يقارب 11 يوم في السنة، لذلك نرى شهر رمضان يدور عبر فصول السنة، فيأتي في الشتاء والربيع والخريف والصيف. وما يهمنا هنا، هو ما ارتبط بالشتاء والصيف من أسماء وأمثال.
يتألف فصل الشتاء من تسعين يوماً مقسمة الى قسمين: "الأربعينية أو المربعانية" و "الخمسينية أو الخماسينية" والأولى هي القسم الأول من فصل الشتاء وتمتد 40 يوما أولها 21 كانون الأول وآخرها 30 كانون الثاني، وقد تبدو أشد أيام الشتاء قسوة، ولذلك يرى الناس فيها فحل الشتاء. وكان الفلاحون دائمي الخوف من مربعانية الشتاء وهي تأتي بعد زراعة الحبوب. فإذا أتت أيام المربعانية حلَّت "تجلّد" الصقيع, وأتلفت البذور في الأرض, أما إذا أتت بالأمطار والثلوج فيكون الموسم خير وفير. وفي هذا يردد العامة المثل الشعبي "إذا أقبلت آذار وراها وإذا أمحلت آذار وراها" وقيل أيضا "المربعانية بتقول إذا ما عجبكم حالي ببعثلكم خوالي" أي السعودات.أما القسم الثاني من فصل الشتاء في االرزنامة الشعبية فهو الخمسينية أو الخماسينية وتقسم إلى أربعة أقسام، تبدأ مع شهر شباط وتنتهي في 21 آذار. وتقسم إلى أربع فترات تعرف بــ" بالسعودات".
تقسم السعودات المعروفة شعبيا،ً غير التقسيمات الفلكية، إلى أربعة أقسام هي "الذابح ،والبالع, والسعود, والخبايا" فيكون كل سعد مدته 12.5 يوم. أما فلكيا فان الشمس تقطع في حركتها الظاهرية بروج الجدي، والدلو، والحوت. وتقطع سبع منازل قمرية هي " سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد سعود، وسعد خبايا، والفرغان "المقدم والمؤخر"، والسمكة "بطن الحوت".
يكون سعد الذابح "سعد ذبح" 12.5 يوم، ويعد أول خمسينية الشتاء. وهي الفترة التي تبدأ في أول شباط وتنتهي في منتصف نهار 13 شباط, وفيه يصعد الماء إلى فروع الأشجار, يقطع فيه جذوع النخيل, ويورق الخوخ والرمان والمشمش واللوز ولذلك يقولون : " إن أمطرت أقبلت وان أمحلت أدبرت". وفيه قيل "إن سعد ذبح ربح، وإن ماذبح، ماربح" وقيل أيضا "بسعد ذبح ما كلب نبح" و" بسعد ذبح لا راع سرح ولا فلاح فلح" أما فترة "سعد بلع" فتبدأ في النصف الثاني من يوم 13 شباط وتنتهي في 25 شباط, ويقال أنه مهما أمطرت السماء في هذه الفترة، فإن الأرض تبتلع المطر بسرعة, فيغور الماء فيه، وتبدأ التربة بالجفاف على وجه الأرض. وفيه قيل "السماء تدفع والأرض تبلع". أما بالنسبة إلى "سعد سعود" فبدايته في 26 شباط ونهايته في منتصف يوم 10 آذار وقيل فيه: بسعد السعود بتدور الميّة بالعود, وهي "الروح والحياة" أي أنه في هذه الفترة، يبدأ النسغ يسير في جذوع الشجر وأغصانه، وتبدأ هذه الفترة في 26 شباط وتنتهي ظهر يوم 10 آذار, وفيه تتم عملية الكساح, أي تقليم دوالي العنب وزراعة المقاثي, وهناك مثل شعبي يقول "إذا طلع الوحواح "نبات يشبه القصب" زور أرضك يا فلاح, إذا ثمرو مغطي كدرو، إبشر بخيرو وثمرو، وإذا ما غطى كدرو اقتل حالك بكدرو" وفيه قيل أيضا" بسعد السعود يبرد كل دفيان ويدفا كل مبرود" والسبعة الأولى من السعد تعرف "بأيام العجائز" سيأتي ذكرها لاحقا. أما سعد الخبايا فتبدأ فترته ظهر يوم 10 آذار وتنتهي في 22 من الشهر نفسه, وبذلك تنتهي خمسينية الشتاء، ويبدأ فصل الربيع. ويقال " بسعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا". وقول آخر "بسعد الخبايا إشلح الفروة والبس العبايا".
تكون أيام العجائز "العجايز" سبعة أيام أولها 26 شباط وآخرها نهاية 4 آذار. وهي ثلاثة من شباط وأربعة من آذار " أذا كانت السنة كبيسة تكون 4 من شباط و3 من آذار " ونتيجة لاستقراض شباط من آذار أربعة أيام عرفت تلك الأيام بــ "المستقرضات" . ومما قيل في تلك الأيام: "بالمستقرضات عند جارك لاتبات" و "لاتقول خلصت الشتوية حتى تخلص المستقرضات المنكية" وهنالك عدة روايات لتسميتها نذكر أهمها:
أنها عجز الشتاء "آخره". وقيل أيضا "لأن العرب تجز أغنامها وأوبار إبلها مؤذنة بقدوم الصيف، غير أن عجوزاً لم تفعل ذلك وقالت : لا أجز حتى تنقضي هذه الأيام الباردة، فاشتد البرد في تلك الأيام وأضر بمن جز وسلمت العجوز بحلالها. كما قيل أيضا: أنها هي التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في سورة الحاقة "سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ". ويرى العرب في تلك الأيام أنها أيام نحس وكانوا يتشاءمون منها، فلم يكن يحدث فيها زواج، ولم يكن الرجل يجامع زوجته لأنه يعتقد بنحس تلك الأيام، وان الأشجار التي تزرع بتلك الفترة لا تثمر. وفيها قيل "ما حلال يدوم إلا بعد الحسوم"
كما أن هنالك اربعينية وخمسينية للشتاء، فان للصيف مثلهما، لكن بشكل غير معروف كما الشتاء. وأربعينية الصيف تبدأ من 22 حزيران حتى أواخر تموز وهي 40 يوم وتتصف بكونها أشد فترات السنة حرارة، أما الخمسينيته فتبدأ من 1 آب الى 22 أيلول، وتقسم إلى أربعة سعودات مدة كل منها 12.5 يوم، وهي ليست معروفة كسعودات الشتاء، وهي: سعد اليباس، وسعد الشوب، وسعد اللهاب، وسعد الخبايا، وفيه يكون 6 آب عيد التجلي وفيه قيل "عيد التجلي بيقول للصيف ولي" .
تأتي أجيال وتختفي وما زالت الذاكرة الشعبية تؤرخ لفترات زمنية غارقة في القدم في دلالاتها وانعكاساتها، عبرت عن الفضاء الإنساني وتفاعلاته، من خلال حفظها للموروث الشعبي في مخيلتها للأبد، دون قصد أو مأرب.
Alshora_salih1971@yahoo.com
لم تكن الأمثال محصلة نزوة عابرة، عبّر عنها البعض جرّاء ملاحظة مباشرة. وإنما أتت ثمرة ملاحظات متواصلة وتجارب عديدة. ولم تكن مجرد كلام أو صوغ أشعار أو حكم، بل هي انعكاسات لظروف معينة عاشها الإنسان عبر الزمن.
أن التقاويم قديمها وحديثها تقوم على أسس فلكية وهي إشارات للدلالات المناخية. وكان السومريون أول من استخدم التقويم القمري، كما أستخدمه البابليون أيضا، أما الكلدانيين فقد كانوا يستخدمون التقويمين القمري والشمسي معا. والتقويم القمري يكاد يقترن باسم التقويم العربي، لأن العرب من قديم الزمان اعتمدوا القمر أساساً في تقويمهم. وفي بعض الأحيان، من تاريخهم، استخدموا السنة الشمسية وكانوا يكبسون شهر ربيعي كل 4 سنوات ليكون 31 يوم. إن ما يميز التقويم القمري العربي، هو أن الشهور القمرية فيه متحركة عبر السنة الشمسية بمعدل يقارب 11 يوم في السنة، لذلك نرى شهر رمضان يدور عبر فصول السنة، فيأتي في الشتاء والربيع والخريف والصيف. وما يهمنا هنا، هو ما ارتبط بالشتاء والصيف من أسماء وأمثال.
يتألف فصل الشتاء من تسعين يوماً مقسمة الى قسمين: "الأربعينية أو المربعانية" و "الخمسينية أو الخماسينية" والأولى هي القسم الأول من فصل الشتاء وتمتد 40 يوما أولها 21 كانون الأول وآخرها 30 كانون الثاني، وقد تبدو أشد أيام الشتاء قسوة، ولذلك يرى الناس فيها فحل الشتاء. وكان الفلاحون دائمي الخوف من مربعانية الشتاء وهي تأتي بعد زراعة الحبوب. فإذا أتت أيام المربعانية حلَّت "تجلّد" الصقيع, وأتلفت البذور في الأرض, أما إذا أتت بالأمطار والثلوج فيكون الموسم خير وفير. وفي هذا يردد العامة المثل الشعبي "إذا أقبلت آذار وراها وإذا أمحلت آذار وراها" وقيل أيضا "المربعانية بتقول إذا ما عجبكم حالي ببعثلكم خوالي" أي السعودات.أما القسم الثاني من فصل الشتاء في االرزنامة الشعبية فهو الخمسينية أو الخماسينية وتقسم إلى أربعة أقسام، تبدأ مع شهر شباط وتنتهي في 21 آذار. وتقسم إلى أربع فترات تعرف بــ" بالسعودات".
تقسم السعودات المعروفة شعبيا،ً غير التقسيمات الفلكية، إلى أربعة أقسام هي "الذابح ،والبالع, والسعود, والخبايا" فيكون كل سعد مدته 12.5 يوم. أما فلكيا فان الشمس تقطع في حركتها الظاهرية بروج الجدي، والدلو، والحوت. وتقطع سبع منازل قمرية هي " سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد سعود، وسعد خبايا، والفرغان "المقدم والمؤخر"، والسمكة "بطن الحوت".
يكون سعد الذابح "سعد ذبح" 12.5 يوم، ويعد أول خمسينية الشتاء. وهي الفترة التي تبدأ في أول شباط وتنتهي في منتصف نهار 13 شباط, وفيه يصعد الماء إلى فروع الأشجار, يقطع فيه جذوع النخيل, ويورق الخوخ والرمان والمشمش واللوز ولذلك يقولون : " إن أمطرت أقبلت وان أمحلت أدبرت". وفيه قيل "إن سعد ذبح ربح، وإن ماذبح، ماربح" وقيل أيضا "بسعد ذبح ما كلب نبح" و" بسعد ذبح لا راع سرح ولا فلاح فلح" أما فترة "سعد بلع" فتبدأ في النصف الثاني من يوم 13 شباط وتنتهي في 25 شباط, ويقال أنه مهما أمطرت السماء في هذه الفترة، فإن الأرض تبتلع المطر بسرعة, فيغور الماء فيه، وتبدأ التربة بالجفاف على وجه الأرض. وفيه قيل "السماء تدفع والأرض تبلع". أما بالنسبة إلى "سعد سعود" فبدايته في 26 شباط ونهايته في منتصف يوم 10 آذار وقيل فيه: بسعد السعود بتدور الميّة بالعود, وهي "الروح والحياة" أي أنه في هذه الفترة، يبدأ النسغ يسير في جذوع الشجر وأغصانه، وتبدأ هذه الفترة في 26 شباط وتنتهي ظهر يوم 10 آذار, وفيه تتم عملية الكساح, أي تقليم دوالي العنب وزراعة المقاثي, وهناك مثل شعبي يقول "إذا طلع الوحواح "نبات يشبه القصب" زور أرضك يا فلاح, إذا ثمرو مغطي كدرو، إبشر بخيرو وثمرو، وإذا ما غطى كدرو اقتل حالك بكدرو" وفيه قيل أيضا" بسعد السعود يبرد كل دفيان ويدفا كل مبرود" والسبعة الأولى من السعد تعرف "بأيام العجائز" سيأتي ذكرها لاحقا. أما سعد الخبايا فتبدأ فترته ظهر يوم 10 آذار وتنتهي في 22 من الشهر نفسه, وبذلك تنتهي خمسينية الشتاء، ويبدأ فصل الربيع. ويقال " بسعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا". وقول آخر "بسعد الخبايا إشلح الفروة والبس العبايا".
تكون أيام العجائز "العجايز" سبعة أيام أولها 26 شباط وآخرها نهاية 4 آذار. وهي ثلاثة من شباط وأربعة من آذار " أذا كانت السنة كبيسة تكون 4 من شباط و3 من آذار " ونتيجة لاستقراض شباط من آذار أربعة أيام عرفت تلك الأيام بــ "المستقرضات" . ومما قيل في تلك الأيام: "بالمستقرضات عند جارك لاتبات" و "لاتقول خلصت الشتوية حتى تخلص المستقرضات المنكية" وهنالك عدة روايات لتسميتها نذكر أهمها:
أنها عجز الشتاء "آخره". وقيل أيضا "لأن العرب تجز أغنامها وأوبار إبلها مؤذنة بقدوم الصيف، غير أن عجوزاً لم تفعل ذلك وقالت : لا أجز حتى تنقضي هذه الأيام الباردة، فاشتد البرد في تلك الأيام وأضر بمن جز وسلمت العجوز بحلالها. كما قيل أيضا: أنها هي التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في سورة الحاقة "سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ". ويرى العرب في تلك الأيام أنها أيام نحس وكانوا يتشاءمون منها، فلم يكن يحدث فيها زواج، ولم يكن الرجل يجامع زوجته لأنه يعتقد بنحس تلك الأيام، وان الأشجار التي تزرع بتلك الفترة لا تثمر. وفيها قيل "ما حلال يدوم إلا بعد الحسوم"
كما أن هنالك اربعينية وخمسينية للشتاء، فان للصيف مثلهما، لكن بشكل غير معروف كما الشتاء. وأربعينية الصيف تبدأ من 22 حزيران حتى أواخر تموز وهي 40 يوم وتتصف بكونها أشد فترات السنة حرارة، أما الخمسينيته فتبدأ من 1 آب الى 22 أيلول، وتقسم إلى أربعة سعودات مدة كل منها 12.5 يوم، وهي ليست معروفة كسعودات الشتاء، وهي: سعد اليباس، وسعد الشوب، وسعد اللهاب، وسعد الخبايا، وفيه يكون 6 آب عيد التجلي وفيه قيل "عيد التجلي بيقول للصيف ولي" .
تأتي أجيال وتختفي وما زالت الذاكرة الشعبية تؤرخ لفترات زمنية غارقة في القدم في دلالاتها وانعكاساتها، عبرت عن الفضاء الإنساني وتفاعلاته، من خلال حفظها للموروث الشعبي في مخيلتها للأبد، دون قصد أو مأرب.
Alshora_salih1971@yahoo.com



















