خسارة الفرص والمسؤولية الأخلاقية: حالة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن

بقلم: المهندس سعيد المصري
ما شهدته الساحة الأردنية مؤخرًا من محاولات تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، يفرض علينا كأردنيين، وكأصحاب رأي وفكر، الوقوف بجدية أمام هذا التحدي، دفاعًا عن وطن صمد لعقود في وجه العواصف الإقليمية، واستطاع أن يحافظ على تماسكه بفضل حكمة قيادته، ويقظة أجهزته الأمنية، ووعي شعبه.
في ظل هذه المعطيات، لا بد من التذكير بأن الدولة الأردنية، ومن موقع القوة والثقة، اختارت نهج الشمول والانفتاح، ومنحت الفرصة لكافة التيارات السياسية، بما فيها الحركات الإسلامية، للعمل ضمن الأطر الشرعية، تحت مظلة قانون الأحزاب، وبشروط واضحة تضمن انخراط الجميع في مشروع الدولة، لا في مشاريع موازية لها.
وقد استفادت جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي، من هذه الفرصة، وتمكنت من الترشح للانتخابات، والحصول على مقاعد في مجلس النواب، شأنها في ذلك شأن أي حزب وطني آخر. وكان يُؤمَل من هذه المشاركة أن تؤسس لمرحلة جديدة، قوامها العمل البرلماني الجاد، والمساهمة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، عبر التعاون البنّاء مع مختلف القوى الوطنية تحت قبة البرلمان.
لكن المؤسف أن بعض المؤشرات، وما تكشف عنه التحقيقات الجارية، قد توحي بضلوع أفراد، يرتبطون تنظيمياً أو فكرياً بحركات إسلامية، في أنشطة تمسّ أمن البلاد واستقراره. وهنا لا بد من وقفة تأمل مسؤولة، بعيدًا عن التعميم، وبمنتهى الموضوعية والحرص على الصالح العام.
فحتى في حال لم يثبت تورط الحزب أو الحركة بشكل مباشر، فإن هناك مسؤولية أخلاقية لا يمكن تجاهلها. فالأحزاب لا تُقاس فقط ببرامجها، بل أيضًا بسلوك أعضائها، ومدى التزامهم بقواعد العمل السياسي المسؤول، الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
إن الدولة الأردنية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، ما فتئت تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية، وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني. وقد عبّرت السياسة الخارجية الأردنية عن هذا الموقف بكل وضوح ومبدئية. لكن استغلال هذه القضايا للعبث بالأمن الداخلي، أو محاولة توظيف الغضب الشعبي في اتجاهات تضر بالوطن، أمر غير مقبول، ويخدم أجندات لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة.
إن استقرار الأردن ليس مجرد “أمن داخلي”، بل هو الركيزة التي تستند إليها كل آمال المنطقة في السلام والعدالة. وأي مساس بهذا الاستقرار، هو تقويض لمستقبل الفلسطينيين أنفسهم، قبل أن يكون تهديدًا للدولة الأردنية.
لذلك، فإن المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع—أحزابًا، ونخبًا، ومواطنين—الوقوف صفًا واحدًا لحماية الأردن، وترسيخ ثقافة المساءلة داخل التيارات السياسية، وتقديم المصلحة الوطنية على كل ما عداها. كما يتطلب الأمر دعمًا مطلقًا لمؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية والقضاء، في مواجهة كل من يحاول المس بأمن الوطن أو استغلال الديمقراطية لتقويضها من الداخل.
ختامًا، إننا أمام لحظة فارقة، لا تحتمل التردد أو التبرير، بل تتطلب وضوحًا في الموقف، وصدقًا في الانتماء، ويقظة تحصّن الوطن من كل محاولات الاختراق، مهما بدت مبرراتها براقة أو شعاراتها خادعة.



















