إندماج الاحزاب الاردنية : التجديد ومحاذير التكرار

د. عبدالحي حباشنة
تعتبر الاحزاب المادة الاساس للديموقراطية ومن هنا تسعى الدول التي تمر بمرحلة ما من التحول الديموقراطي الى بناء التشريعات والاجواء والاوعية الاجتماعية التي تتيح تاسيس الاحزاب بل وتنميتها ودعمها .
ولعل الاردن ومنذ بدايات التحول الديموقراطي بداية التسعينات من القرن الماضي شهد حركة حزبية واحزابا تستند في وجودها الى تشريعات ناظمة ورؤية هيكلية واضحة تستند في وجودها الى القانون كوحدات اساسية في ممارسة العمل السياسي تنظيما ومواقف وانشغالات،ثم جاءت مرحلة الاصلاح السياسي المنبثقة عن مخرجات اللجنة الملكية للتحديث السياسي والاقتصادي والتي كان من ابرز تجلياتها صدور قانون جديد للاحزاب وقانون للانتخاب يعطي الاحزاب حصة وافرة في التمثيل النيابي مما شكل تحولا في الحضور الحزبي تشكلا وحركة وترشيحا وساهم بشكل واضح في تشكيل وتسجيل عدد كبير من الاحزاب السياسية ومشاركة هذه الاحزاب في الانتخابات النيابية الاخيرة ووصول عدد وازن الى مجلس النواب بصفتهم الحزبية مما اعكس مباشرة على الحضور الحزبي واثار سؤال العدد الكبير نسبيا للاحزاب في الاردن مقارنة مع التمثيل النسبي القليل لبعض الاحزاب التي كان من المتوقع ان تحصل على تمثيل اعلى في البرلمان سواء لجهة عدد اعضائها او الامكانات المالية التي وضعتها في خدمة العملية الاخرى واسباب اخرى لها علاقة بثقل التمثيل الاجتماعي للعديد من قيادات هذه الاحزاب خاصة وان حزبا واحدا هو حزب جبهة العمل الاسلامي حصل على مقاعد تزيد عن كل ما حصلت عليه الاحزاب الاخرى، مما شكل حافزا رئيسيا في توجه الاحزاب نحو فكرة الاندماج استنادا الى سؤال الجدوى من التعدد الكبير للاحزاب السياسية الاردنية وقدرتها على الحضور الفاعل والتاثير .
وتشهد الاردن في هذه المرحلة محاولات ومشاورات عديدة لاندماج عدد من الاحزاب تحت اسباب منوعة كالرغبة في تحقيق التوازنات الانتخابية واعادة تشكيل الواقع السياسي وتشكيله الوطني الى الرغبة في زيادة التاثير السياسي وهي مبررات تجد لها ما يدعمها في واقع الحياة السياسية في الاردن واحيانا قد تعزز فكرة الاندماج الصعوبات المالية التي تواجه الاحزاب او الاحساس العام بالرغبة في السير ضمن توجيهات القيادة نحو تخفيف الزحام وتركيز الجهود وكلها اسباب ذات معقولية كبيرة لكنها تبقى بالآليات المتبعة للاندماج وبالنتائج التي يمكن ان تفضي اليها .
ان الحديث عن اندماج حزبين او اكثر في حزب واحد ليست مسالة ذات طابع تجميعي فقط بل هي عملية نوعية تتطلب توافقات كبيرة وجذرية بين عناصرها على الرغم من نجاح تجربة اندماج بعض الاحزاب التي اثمرت حزب الائتلاف الوطني والذي يبدو متماسكا حتى الان اذ ان من مثل تباين القناعات والخلفيات الفكرية بين قيادات الاحزاب والنفوذ الشخصي الذي يمكن ان يتضاءل في ظل الاندماج اضافة الى ضعف البنية التنظيمية اساسا للاحزاب على مستوى الاعداد السياسي والحزبي يفرض حكما على القائمين على اي عملية اندماج اخذ هذه التحديات وغيرها بعين الاعتبار خاصة في ظل حالة العزوف الكبير عن العمل الحزبي بالرغم من كل الضمانات القانونية والسياسية التي قدمت لتنمية العمل الحزبي وتطويره .
قد يكون اندماج الاحزاب ضرورة وطنية يفرضها الواقع السياسي ومتطلبات العمل الديموقراطي الفاعل بشرط ان يكون هذا الاندماج ناضجا معبرا عن ارادة الاعضاء الحزبيين في الاجسام الحزبية المندمجة وان يأخذ بعين الاعتبار قواسم مشتركة حقيقية ومعلنة وليس ردة فعل على واقعة طارئة او تماشيا مع توجه محدود وهنا تصبح مشاركة الكوادر الحزبية من الصف الثاني مهمة جدا لغايات الاستمرار خاصة مشاركة الشباب المؤثرة وان تكون المشاورات شفافة ومعلنة لكل اطراف العملية ضمانا لديمومة العمل الحزبي ذلك ان اثار فشل تجربة الاندماج اكثر سلبية على الواقع السياسي والوطني من بقاء الاحزاب كثيرة وقد شهدنا في الاردن تجارب عدة لاندماجات افضت الى نهاية الحزب الجديد وعلى نحو سريع . ولذلك فان التريث ووجود اسباب عميقة للاندماج ومشاركة اكبر قطاع ممكن من الحزبيين قد يخلق واقعا حزبيا جديدا عن الاندماج يحقق اهدافه على نحو يخدم الواقع الحزبي الاردني والتجربة السياسية الوطنية بشكل عام .



















