فيجا ابو شربي. يكتب : حين تكلّم الضمير باسم العرب: خطاب الملك عبد الله في البرلمان الأوروبي

في هذا الوقت العصيب الذي تترنح فيه السياسة على حبال المصالح، ويُدار فيه العالم بمنطق التجاهل البارد لمعاناة الشعوب، ارتفع من قلب البرلمان الأوروبي صوتٌ عربيّ يحمل الوضوح والجرأة، وينطق بلغة لا تُترجم إلا إلى "الضمير".
خطاب الملك عبد الله الثاني لم يكن مجرد كلمة رسمية في محفل دولي، بل كان أشبه بصحوة، تنبه أوروبا والعالم إلى ما كاد يصبح طبيعيًا: موت القيم تحت ركام الحسابات.
منذ اللحظة الأولى، اختار الملك أن لا يدور حول الحقائق. قالها صريحة: "العالم فقد بوصلته الأخلاقية". ولأن الوقائع اليوم أقسى من أن تُجمل، ذكّر أوروبا بأن صمتها على ما يجري في غزة – من تجويع ممنهج إلى قصفٍ للمشافي والمدنيين – لا يمكن اعتباره حيادًا، بل تواطؤًا بالصمت.
لكن الخطاب لم يكن دعوةً للبكاء على المآسي، بل لتحمّل المسؤولية. أوروبا التي أعادت بناء ذاتها على قيم الإنسانية بعد حربين عالميتين، مدعوّة اليوم لأن تبرهن أن هذه القيم ليست مجرّد ذكريات، بل سياسة حية. مدعوّة لتثبت أن الكرامة التي منحتها لنفسها، لا تُسحب من الآخرين حسب الجغرافيا أو الدين.
الملك عبد الله لم يطرح مطالب ضيقة باسم بلده، بل قدّم رؤية إنسانية باسم كل من تُسحق صرخاتهم تحت صمت العالم. دعا إلى شراكة حقيقية بين أوروبا والعالم العربي، لا قائمة فقط على مشاريع التنمية، بل على فهمٍ عميق أن الاستقرار لا يتحقق دون عدالة، وأن التنمية لا تزدهر في ظل الحصار والجوع والقصف.
لقد كان الخطاب رسالةً مضادة لهذا الزمن المنهك: رسالة تقول إن السياسة ليست نقيض الأخلاق، وإن الكلمة الصادقة قادرة – إذا انطلقت من أرضٍ صلبة – أن تزلزل الصمت.
وهكذا، ومن قلب أوروبا، تحدّث ملكٌ عربيّ لا بلغة المجاملة، بل بلغة من لا يزال يؤمن أن العالم يمكن إنقاذه حين نعيد تعريف القوة بأنها العدالة، والسيادة بأنها الرحمة، والسياسة بأنها شرف خدمة الإنسان.



















