هيثم ضمره. يكتب : هل أخطأ الذكاء الاصطناعي في تقدير قوة إيران؟

في ظل التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران، يبدو أن بعض صناع القرار في حكومة بنيامين نتنياهو اعتمدوا بشكل متزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي في تقييم التهديدات، وتقدير قدرات الخصوم، ورسم سيناريوهات الرد. لكن نتائج هذا الاعتماد بدأت تثير التساؤلات، خاصة عندما نرى مخرجات غير دقيقة على أرض الواقع، أو نلمس نوعًا من التهوين غير المفهوم لخطورة الخصم الإيراني.
لطالما شُيّد الذكاء الاصطناعي على أساس البيانات والتحليل الخوارزمي. لكن المفارقة أن هذا “العقل المحايد” بات يُتهم أحيانًا بالنفاق أو بالتملق؛ ذلك أنه يميل لتقديم إجابات متوازنة، أو يحاول إرضاء جميع الأطراف، لا سيما في المواضيع المعقدة والحساسة مثل الشؤون الجيوسياسية. في هذا السياق، يبدو أنه قد فشل — أو أُفشل — في تقدير واقع بسيط: إيران، رغم كل ما يُقال عن ضعفها الاقتصادي والعسكري، قادرة على إحداث ضرر فعلي ومباشر.
أحد الأسباب المحورية لهذا الخلل في التقدير يكمن في عزل إيران دوليًا وفرض عقوبات مشددة عليها، ما جعل الوصول إلى معلومات دقيقة من داخلها أمرًا بالغ الصعوبة. نتيجة لذلك، تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي على مصادر بديلة — غالبًا غربية أو معادية لإيران — وهذه بطبيعتها تقدم إيران بصيغة منقوصة أو مشوهة، تركّز على إضعافها وتصغير خطرها. هذا التحيز غير المباشر في البيانات أدى إلى مخرجات تحليلية لا تعكس الواقع العسكري والسياسي الإيراني بشكل دقيق.
مثال واضح على هذا الخلل ما حدث عندما أصاب صاروخ إيراني واحد بلدة بات يام في إسرائيل، ما أدى إلى تشريد 1% من سكانها. هذا الحدث، رغم صغره النسبي، كشف أن الضرر لا يُقاس بعدد الصواريخ أو بحجم الترسانة، بل بالأثر الرمزي والنفسي وحتى الإعلامي الذي قد تُحدثه ضربة واحدة دقيقة.
السؤال الجوهري هنا: هل أخطأ الذكاء الاصطناعي فعلاً؟ أم أن الخطأ فيمن برمجوه؟ هل كانت البيانات المدخلة منحازة أو متفائلة أكثر من اللازم؟ أم أن هناك من أراد، عمدًا أو جهلًا، أن يرى إيران أضعف مما هي عليه؟
قد تكون الإجابة مزيجًا من هذه العوامل. الأكيد هو أن الاعتماد الأعمى على الذكاء الاصطناعي دون إدراك لحدوده وسياقه السياسي والتقني قد يؤدي إلى نتائج كارثية. التكنولوجيا، مهما بلغت من تطور، لا تعوّض عن الفهم العميق للواقع، ولا تغني عن القراءة الحذرة لنوايا الخصوم وتكتيكاتهم.
إن ما يحدث اليوم هو تذكير صارخ بأن الذكاء الاصطناعي ليس عرافًا، ولا هو آلة للحقيقة المطلقة. إنه أداة — قوية وخطيرة — لكنها تبقى في النهاية انعكاسًا لمن يشغّلها، وللرؤية التي يريد أن يرسم بها العالم.



















