+
أأ
-

من الورق إلى الشاشة… حين صارت الأكاذيب بلا وجه

{title}
بلكي الإخباري

 

فيجا ابو شربي 

في الماضي، كانت تُعرف بـ"الصحف الصفراء"، تُطبع على ورق رخيص وتُباع على الأرصفة، لا يقرؤها إلا من يبحث عن الإثارة. كانت الأكاذيب تُكتب بخط معروف، ويمكن معرفة من وراءها ومحاسبته. أما اليوم، فقد تحولت إلى وسائط اجتماعية بلا قيود، تغزو البيوت والعقول بلا استئذان.

الفرق لم يعد في المحتوى، بل في الأثر. الصحف الصفراء كانت تُضلّل فئة محدودة، أما الوسائط الحديثة فتُعيد تشكيل الوعي الجمعي. الكذب صار رأيًا، والقذف وجهة نظر، وكل ذلك يُقال خلف شاشات بلا اسم ولا وجه.

لم نعد نعرف من يكتب… ولا من يقتل الحقيقة.

كل شيء يُهاجَم: الدين، الأخلاق، اللغة، الوطن، وحتى العلاقات الأسرية.

فالزوج يُشهًَر بزوجته، والزوجة تبث أسرار بيتها، والخلافات الأسرية  تُعرض كما تُعرض المسلسلات.

والأخطر من كل ذلك: العدو المتربص لم يعد يأتي من الخارج، بل ينخر الداخل.

لا يحمل سلاحًا، بل يهمس في منشور، ويفكك الروابط، ويُسقط القيم.

يبث الفتنة بذكاء، ويغذّي الكراهية باسم الحرية، ويزرع الشك باسم الوعي.

ليُقدَّم الوطن بعد ذلك لقمة سائغة لعدو لا يحتاج إلى دبابة أو مدفعية… بل إلى فراغ في العقول، وشروخ في القلوب.

إنها معركة حقيقية، ولكل منا دور لا يُستهان به.

من موقعه، يتحمّل كل فرد مسؤولية المساهمة في بناء وعي مجتمعي يميّز بين المعلومة والرأي، وبين النقد البنّاء والتشهير الهدّام.

يجب أن تبدأ التربية الإعلامية من البيت والمدرسة، لتنشئة جيل واعٍ لا يُخدع بسهولة.

كما لا بد من تفعيل قوانين تردع الكذب والتضليل دون أن تمس بحرية التعبير.

وأخيرًا، علينا أن ننتج محتوى بديلًا راقيًا، ينافس بقوة، ويُعمّق الفهم، ويوقظ العقول من سباتها.