وسام حمدان العياصرة تكتب : الحنين إلى الوطن وشكوى الواقع

ما أعذبَ تلك اللحظات التي يطرق فيها الحنين أبواب قلوبنا، حين نذكر الوطن، فنراه في أحلامنا جنةً مفقودة، ومرفأ أمانٍ افتقدناه في غمرة الغربة. إن الوطن ليس مجرد مكان نولد فيه، بل هو ذاكرة جماعية، ومجموعة من التفاصيل الصغيرة التي تنسج فينا ألف حكاية؛ رائحة الخبز في الصباح، زقزقة العصافير على نوافذنا القديمة، وصوت الأذان الذي يملأ الأزقة بحنينٍ لا يوصف.
غير أنّ هذا الحنين العذب ما يلبث أن يمتزج بمرارة الواقع، حين نصطدم بحال الوطن الموجوع. فما أقسى أن تحب وطنك حبًّا صادقًا، ثم تجده عاجزًا عن احتضانك، غير قادر على منحك أبسط حقوقك في الحياة الكريمة.
إنّ الوضع الوظيفي في أوطاننا — للأسف — لا يرقى إلى طموحات شبابها. كثيرٌ من الكفاءات النادرة والمواهب المتميزة تقف اليوم على عتبات الانتظار، باحثةً عن فرصة عمل تحفظ لها كرامتها. الخريجون، مهما بلغت شهاداتهم من رفعة، يواجهون شبح البطالة، وكأن الشهادة لم تعد سوى ورقةٍ تُعلّق في إطار، لا تمنح صاحبها سوى لقب جامعي !!.
أما الوضع الاقتصادي، فلا يخفى على أحدٍ ما بلغَه من اضطراب. وارتفاع في الأسعار، وضعف القوة الشرائية، وانكماش فرص الاستثمار، كلها عوامل تجعل الفرد يعيش في دائرة مغلقة من القلق والتعب.
كيف للإنسان أن ينمو ويبدع، وهو مشغول بتأمين قوت يومه، مضطرٌّ إلى قبول أعمالٍ لا تليق بمؤهلاته ولا بكرامته؟
ما أصعب أن تحمل في قلبك حبًّا لوطنك، وتجد نفسك مضطرًّا في الوقت ذاته إلى الشكوى منه. ذلك الصراع الداخلي يؤلم الروح، ويشتتها بين الأمل والألم. فالوطن يبقى عزيزًا مهما جار، يظل قطعةً من الروح، ولكن جرح الواقع لا يندمل بسهولة.
إنّنا نحلم جميعًا بوطنٍ قادر على احتضان أبنائه، وطنٍ يقدّر العقول، ويرعى الطاقات، ويبني اقتصادًا يليق بطموحات شبابه. وطنٍ لا يُرغم أبناءه على الرحيل ، ولا يجعلهم يتطلّعون بحسرة إلى الغربة وكأنها خلاصهم الوحيد.
سيبقى الحنين إلى الوطن باقياً في قلوبنا، وسيظلّ الأمل قائمًا في أن يستعيد وطنُنا عافيته، فيعود حضنًا دافئًا، وبيئةً حاضنة للإبداع والكرامة. إلى ذلك الحين، سنظل نحبّه، ونشكو إليه، ونرجو له الشفاء، كمن يحبّ مريضًا عزيزًا، يراه يضعف فيحترق قلبه، ولا يملك إلا الدعاء والانتظار.
















