د. زيد ربابعة يكتب : نحو مشروع حزبي يعكس الوعي لا التكتلات المؤقتة

بقلم: د. زيد ربابعة – عضو المجلس المركزي ونائب رئيس عمان الثالثة
لقد شكّل المؤتمر العام الأخير للحزب المدني الديمقراطي الأردني محطة تنظيمية حيوية، ولحظة سياسية فارقة، جرت في أجواء اتسمت بالاحترام والنزاهة والمنافسة المشروعة. واليوم، ونحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة، لا بد من التأكيد على أن التعددية والاجتهاد داخل أي حزب سياسي ليست مصدر تهديد، بل دليل نضج وثراء فكري.
التيار الإصلاحي الذي أنتمي إليه لم يُبنَ على أسماء أو مصالح عابرة، بل تشكّل من مجموعة من الزملاء يجمعهم مشروع فكري واضح، ورؤية سياسية مستقرة، ومواقف صلبة تجاه الإصلاح كخيار لا كترف. لم نسعَ إلى التحالف مع أحد لمجرد كسب الأصوات، ولم نعتمد أسلوب "ألو، تعال صوت" كما شاهدنا في بعض الممارسات التي حدثت قبل ساعات من الاقتراع، في مشهد لا يليق بحزب يُفترض أنه يحمل همّ التغيير.
ما يدعو للحيرة حقاً هو ذلك التحالف الهجين الذي جمع ثلاث قوى متنافرة فكرياً وعقائدياً، كانت في الأمس القريب تتبادل الاتهامات والشتائم، لكنها اليوم توحدت، لا على قاعدة مشروع، بل على أساس خوف مشترك من صعود خطاب إصلاحي آخذ بالتمدد والتجذر داخل القواعد.
وبدلًا من مواجهتنا بحوار سياسي ناضج، رأينا هجمات متكررة من أطراف عدة، لم تجد في خطابنا سوى اسماً لتهاجمه، دون قدرة على تفنيد أي موقف أو تشخيص أي انحراف. لجأ البعض إلى مغالطات فكرية مفضوحة، من أبرزها مغالطة "رجل القش"، حيث يُختلق موقف وهمي يُنسب إلينا، ثم يتم تفنيده علناً، وكأنهم حققوا نصراً وهمياً على عدو لم يوجد أصلاً.
"الإصلاح" ليس تهمة، ولا يعني أن من لا ينتمي إليه فاسد، هو فقط توصيف لمجموعة تؤمن أن التغيير ضرورة، وأن الجمود خيانة للشارع الذي ينتظر من الأحزاب شيئاً أكثر من الشعارات.
نحن لم نأتِ من بوابة المصلحة، ولا من صفقات "تحت الطاولة"، نحن أبناء التجربة الحزبية، من رحم الحراك والتفاعل الداخلي، نحمل مشروعاً للتجديد لا الإقصاء، ولم نرَ في أي اسم عدواً بل شريكاً مختلفاً في الرؤية، نختلف معه، دون أن نلغيه.
تحالفنا الوحيد هو مع المبادئ التي نؤمن بها، مع الجمهور الذي نحترمه، ومع الحق في التعبير والتغيير. ونقولها بوضوح: لسنا هنا لنخوض معارك شخصية، بل لنبني حزباً أقرب إلى المجتمع، أكثر انفتاحاً على همومه، وأكثر قدرة على تجسيد الديمقراطية الداخلية.
إن من يحاول أن يصنع عدواً وهمياً من تيار إصلاحي داخل الحزب، عليه أن يدرك أن اللعبة تغيرت، وأن الحزب لم يعد يحتمل التكتيك الشخصي والمراوغات المؤقتة. فزمن احتكار القرار الحزبي ولى، واليوم من يملك مشروعاً حقيقياً، فليتفضل إلى الميدان، لا إلى غرف التحريض.
وأخيراً، رسالتي لمن يرى في التيار الإصلاحي مصدر إزعاج: انشغلوا ببناء ما تؤمنون به، ونافسونا بالأفكار لا بالتحريض، فالتيارات لا تُبنى بالمصالح، والإصلاح لا يُحاصر بمقال.
الحزب بخير، والتعدد بخير، والإصلاح أقوى من أن يُختزل في اسمه، أو يُحارب لمجرد أنه اختار طريقاً



















