مأساة فلسطين عندما تتآكل القضية من الداخل

توجعك فلسطين وتنهشك لا بفعل الاحتلال وحده بل بوجع أشد مرارة وجع التناقضات العجيبة التي تسكنها وتمزق نسيجها الوطني فهي لوحة سريالية تجمع في تفاصيلها ما يثير الإعجاب وما يدعو إلى الاشمئزاز في آن واحد.
تشاهد بعين فاحصة كيف تقسم الفصائل الفلسطينية أرضا وقضية على مقاسات أمنائها العامين وقواعدهم الجماهيرية دون اكتراث للمصلحة العليا للشعب فبينما يرتفع صوت الشهيد الذي قدم روحه فداء للوطن تجد بجانبه من يسرق أحلام الأجيال القادمة ويتاجر بآلام شعب حاصرته القوى الخارجية وخذلته الأيدي الداخلية.
لقد باتت فلسطين هذه أرضا للحيرة والارتباك تتنازع فيها الرموز الوطنية وتتفكك في تفاصيلها مفاهيم المقاومة فبين أسير يقضي زهرة شبابه خلف قضبان الاحتلال وسفير يتنعم بامتيازات منصبه بعيدا عن جمر القضية تضيع بوصلة النضال.
إنها فلسطين المحاصرة بين حاجز قلنديا ومعبر إيرز وبين مفاوض لم يجن من طاولات التفاوض سوى الفشل ومناضل بات عاجزا عن توحيد
الصفوف وتوجيه البندقية إلى العدو الحقيقي.
لقد تحولت فلسطين إلى مسرح للصراع على حكم أقفاص أوسلو حيث يتصارع ديك رام الله مع ديك غزة على جثث القضية وبينما هما غارقان في صراعهما تتفرج إسرائيل وتقتل من تشاء من الأبرياء
إن هذا الانقسام المخيف والصراع الداخلي الذي لا ينتهي يشكل خنجرا مسموما في ظهر القضية الفلسطينية ويقدم خدمة مجانية للاحتلال الذي يرى في هذا التمزق الداخلي فرصة ذهبية لتثبيت سيطرته وتوسيع نفوذه



















