+
أأ
-

م.مجدي القبالين يكتب : التخصصات التقنية… استثمار مدروس لمستقبل الشباب

{title}
بلكي الإخباري

 

 

في عالم تتسارع فيه التطورات التقنية بشكل غير مسبوق، لم يعد اختيار التخصص الجامعي قرارا عاطفيا أو اجتماعيا يهدف للمظاهر أو التقليد، بل أصبح قرارا استراتيجيا يحدد ملامح المستقبل المهني للشباب. الدراسات المحلية والعالمية تؤكد أن النجاح في سوق العمل، خصوصا في قطاع تكنولوجيا المعلومات، يعتمد على الجمع بين أساس أكاديمي متين ومهارات عملية متخصصة، مع متابعة التطورات المستمرة في التقنيات الحديثة.

تشير تقارير سوق العمل إلى أن تخصصات مثل هندسة الحاسوب وعلوم الحاسوب ما زالت تشكل القاعدة الأكاديمية الأهم لبناء مسار تقني ناجح. هذه التخصصات تمنح الطالب معرفة شاملة في البرمجة، الشبكات، أنظمة التشغيل، وهندسة البرمجيات، وهي عناصر أساسية تمكن الخريج من التوجه لاحقا نحو تخصصات دقيقة ذات طلب مرتفع في السوق. امتلاك أساس أكاديمي قوي يمنح المرونة للتكيف مع التغيرات في احتياجات السوق.

الأمن السيبراني أصبح خط الدفاع الأول في عالم مترابط رقميا. تقارير دولية تشير إلى فجوة كبيرة في الكفاءات بهذا المجال، مع ملايين الوظائف الشاغرة على مستوى العالم. هذا المجال مطلوب في كل القطاعات تقريبا، من المصارف والطاقة إلى الصحة والحكومات. خطة التعلم المقترحة للأمن السيبراني تبدأ بفهم البنية التحتية عبر دورات تمهيدية مثل IT Fundamentals، ثم الانتقال إلى دورة A+ لفهم مكونات الحاسوب، بعدها Network+ لتقوية مهارات الشبكات، يليها Security+ لتأسيس المعرفة الأمنية. في المرحلة التالية يمكن دراسة دورات متقدمة مثل Certified Ethical Hacker للتعامل مع أساليب الاختراق الأخلاقي، ثم CISSP للتأهيل في الإدارة الأمنية على مستوى المؤسسات، إضافة إلى تخصصات فرعية مثل تحليل البرمجيات الخبيثة أو إدارة الاستجابة للحوادث.

البيانات اليوم هي المورد الأكثر قيمة، وتحويلها إلى قرارات عملية هو ما يحدد نجاح الشركات والمؤسسات. هذا المجال يشهد نموا كبيرا في الطلب على وظائف مثل محلل البيانات، عالم البيانات، ومهندس التعلم الآلي. خطة التعلم تبدأ بأساسيات تحليل البيانات عبر برامج مثل Excel، ثم تعلم لغة SQL لإدارة قواعد البيانات، يليها إتقان لغة Python ومكتباتها الخاصة بالبيانات مثل Pandas وNumPy. بعد ذلك دراسة مبادئ الإحصاء التطبيقي، ثم الانتقال إلى أدوات عرض البيانات مثل Power BI أو Tableau. في المراحل المتقدمة، يمكن التعمق في التعلم الآلي باستخدام مكتبات مثل Scikit-learn وTensorFlow، والعمل على مشاريع عملية تحاكي بيانات وأساليب السوق الفعلية.

الحوسبة السحابية أصبحت العمود الفقري للبنية التحتية الرقمية للمؤسسات، بينما DevOps يمثل فلسفة العمل التي تربط التطوير بالعمليات التشغيلية. هذه المهارات تمنح الخريج فرص عمل في بيئات محلية وعالمية، حتى عن بعد. خطة التعلم تبدأ بفهم أساسيات الشبكات وأنظمة التشغيل، يليها دورة Cloud Practitioner من AWS أو Azure Fundamentals للتعرف على المفاهيم السحابية الأساسية. بعد ذلك يمكن التعمق في شهادات مثل AWS Solutions Architect أو Azure Administrator. في مجال DevOps، يمكن دراسة أدوات التكامل المستمر مثل Jenkins، وأنظمة إدارة الحاويات مثل Docker وKubernetes، إلى جانب إتقان أنظمة إدارة الإصدارات مثل Git وGitHub.

التوجه العالمي نحو التوظيف القائم على المهارة بدلا من المؤهل وحده جعل الشهادات القصيرة والدورات الاحترافية ذات قيمة عالية في سوق العمل. هذه الشهادات تمنح إثباتا عمليا على قدرة الشخص على أداء مهام محددة بكفاءة، وغالبا ما تكون أقل تكلفة وأسرع إنجازا من البرامج الأكاديمية الطويلة. الجمع بين المؤهل الأكاديمي والشهادات القصيرة في مجال التخصص يمنح الخريج ميزة تنافسية واضحة.

اختيار التخصص لا ينفصل عن اختيار المؤسسة الأكاديمية التي توفر بيئة تعليمية مناسبة. في الأردن، هناك نماذج جامعية متميزة في هذا المجال. جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا تقدم برامج أكاديمية متقدمة في علوم الحاسوب، الأمن السيبراني، علم البيانات، والهندسة التقنية، وتربط مناهجها بمشاريع عملية وشراكات مع شركات تقنية عالمية، مما يعزز فرص التدريب الميداني. الجامعة الألمانية الأردنية تتبع نموذج التعليم التطبيقي، حيث يقضي الطالب فصلا كاملا في ألمانيا ضمن شراكات مع شركات ومؤسسات تقنية، ما يمنحه خبرة عملية حقيقية ومهارات تطبيقية قبل التخرج.

تعمل وزارة الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال في الأردن على مبادرات وطنية تهدف إلى تقليص الفجوة بين التعليم الأكاديمي واحتياجات السوق، مثل مشروع الشباب والتكنولوجيا والوظائف، الذي يركز على تدريب الشباب في التخصصات الرقمية الأكثر طلبا، وربطهم بفرص العمل في السوق المحلي والإقليمي.

الخلاصة أن الطريق نحو مستقبل مهني ناجح في قطاع تكنولوجيا المعلومات يبدأ بتخصص أكاديمي قوي مثل هندسة أو علوم الحاسوب، يدعم بمسار تدريبي عملي في واحد من المجالات الأكثر طلبا وهي الأمن السيبراني، علم البيانات والذكاء الاصطناعي، أو الحوسبة السحابية وDevOps. إتقان اللغة الإنجليزية والحصول على خبرة تدريبية أثناء الدراسة يزيد من فرص التوظيف بشكل كبير، ومع اختيار الجامعة المناسبة التي توفر بيئة تعليمية عملية وشراكات مهنية، يصبح الخريج مؤهلا لمنافسة حقيقية في سوق العمل المحلي والعالمي.