المهندس سعيد بهاء المصري يكتب : الاستقرار التشريعي وتنافسية المنتج الأردني: مدخل لاستدامة الاستثمار

لا يزال الجدل مستمرًا في الأردن حول الاستثمار وخطط التحديث الاقتصادي، لكن المعضلة الجوهرية ليست في كثرة الجلسات الحوارية بل في غياب الاستقرار التشريعي والهوية الاقتصادية الثابتة. إذ يدرك المستثمر—محليًا كان أو أجنبيًا—أن نجاح دراسات الجدوى الاقتصادية واستدامة العوائد مرهونان ببيئة تشريعية واضحة ومستقرة لمدى طويل، لا تخضع لتغييرات متكررة وفقًا لسياسات آنية أو اجتهادات وزارية.
هذا الاضطراب في التشريعات ينعكس مباشرة على ثقة المستثمرين، ويحدّ من قدرة الأردن على جذب استثمارات متوسطة وكبيرة الحجم. بل إن بعض الاستثمارات القائمة بالفعل واجهت تآكلًا في أرباحها، مما دفع جزءًا منها إلى مغادرة البلاد. هنا يصبح الاستقرار التشريعي شرطًا أساسيًا لأي تحوّل اقتصادي حقيقي كما تطمح إليه رؤية التحديث الاقتصادي.
أهمية الاستقرار التشريعي في جذب الاستثمار
تُظهر تجارب الدول الناجحة في التحول الاقتصادي—مثل الإمارات وسنغافورة—أن الاستقرار في التشريعات الضريبية والجمركية والحوافز الاستثمارية هو ما يخلق الثقة ويدفع المستثمرين لتوظيف رؤوس أموالهم على المدى الطويل. أما في الأردن، فإن تكرار التعديلات الضريبية والرسوم المفروضة على قطاعات مختلفة أوجد حالة من عدم اليقين جعلت البيئة الاستثمارية تبدو غير جاذبة.
العبء الضريبي وتأثيره على تنافسية المنتج الأردني
تقرير EBRD Diagnostic 2025 يؤكد أن التكاليف المرتفعة الناتجة عن البيروقراطية والضرائب وعدم وضوح التشريعات "أثقلت كاهل القطاع الخاص وقلصت من تنافسية المنتجات الأردنية". كما أن التقرير الأسبق (2020) أشار إلى أن 23.2% من الشركات الأردنية اعتبرت العبء الضريبي أكبر عائق أمام أعمالها، إضافة إلى تكاليف الطاقة والنقل والعمالة المرتفعة.
وبحسب دراسة تحليلية حول الاستثمار في الأردن، فإن الضرائب المفروضة سواء عبر قوانين مباشرة أو من خلال رفع أسعار مدخلات أساسية مثل الطاقة والمياه، تُضعف من تنافسية المنتج المحلي، خاصةً خارج المناطق الاقتصادية الخاصة والتي تتمتع بحوافز وإعفاءات.
الرسوم الجمركية وأثرها على الصادرات الأردنية
في خطوة أثارت القلق بين المصدرين الأردنيين، أصدرت الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً في 31 يوليو 2025 تضمن فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 15٪ على واردات الولايات المتحدة من الأردن، وذلك بدءًا من 7 أغسطس 2025.
هذه النسبة، وإن بدت منخفضة بالنسبة لبعض الاقتصادات المتضررة، تمثل زيادة حقيقية ومفاجئة بعد عقود من الإعفاء الجمركي الكامل الذي وفرته اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة (JOFTA) منذ عام 2001. وبحسب تصريحات وزير الصناعة والتجارة الأردني، فإن هذا القرار جاء نتيجة شهور من المفاوضات، وأسفر عن حصول الأردن على أدنى معدل زيادة رسومية مقارنة بدول أخرى، الأمر الذي منحه ميزة نسبية مقارنة بمنافسيه الذين يواجهون رسومًا تراوحت بين 15٪ و40٪.
لكن، رغم أن 15٪ تعد الأقل بين الدول المعرضة لهذه التغييرات، فإنها تمثل تكلفة إضافية بشكل فعلي تُسلَّم مباشرة إلى المستهلك الأميركي على هيئة ارتفاع أسعار، مما يضع المنتجات الأردنية—مثل الملابس، المجوهرات، الأسمدة، والأدوية—في موقف تنافسي صعب أمام بدائل من دول أخرى لم تتعرض لنفس المستوى من التأثير، مثل مصر التي تحملت رسومًا أقل من 10٪ على منتجاتها.
الأمر لا يقتصر على خسارة تنافسية للأسعار فحسب، بل يمتد إلى تهديد استدامة صناعات تصديرية رئيسية، خصوصًا في حالات تأثر التشغيل والعمالة في المنشآت الصناعية القائمة فيما كان يعرف بالمناطق الحرة (QIZ). كما حذر بعض المراقبين من أن هذا القرار قد يؤدي إلى تقليص الطلب الأميركي على المنتجات الأردنية ورفع كلفة العقود طويلة الأجل، بل قد يُفضي إلى فقدان وظائف في القطاعات التصديرية الحيوية.
ارتفاع مدخلات الإنتاج: معضلة متفاقمة
يشير تقرير EBRD Country Strategy 2025–2030 إلى أن ارتفاع التكاليف التشغيلية، خصوصًا الطاقة والنقل، دفع المنتجين الأردنيين نحو إنتاج سلع منخفضة التعقيد وضعيفة القيمة المضافة، الأمر الذي يحدّ من قدرة الأردن على زيادة الصادرات وتحقيق معدلات نمو أعلى.
كما أن أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي الأردني تبقى أعلى مقارنةً بدول الجوار (مثل مصر والسعودية)، وهو ما يقلل من ربحية الشركات المحلية ويُضعف قدرتها على منافسة السلع المستوردة داخل السوق المحلي أو التصدير بأسعار منافسة للأسواق العالمية.
طرق رصد تنافسية المنتج الأردني
لضمان استدامة الاستثمار والحفاظ على جاذبية السوق الأردني، من الضروري إنشاء آلية رصد دورية لتنافسية المنتج الوطني عبر:
1. مؤشر كلفة الإنتاج الوطني: يتابع أسعار الطاقة والمياه والمواد الخام والأجور.
2. المقارنة الإقليمية: مع دول مثل تركيا ومصر والسعودية.
3. مؤشرات الربحية للشركات: تراجعها يعكس تضخم الكلف.
4. استطلاعات المستثمرين: لقياس الثقة في البيئة الاستثمارية.
بإختصار، المشهد واضح: العبء الضريبي، الرسوم الجمركية، وارتفاع مدخلات الإنتاج جميعها عقبات حقيقية أمام تنافسية المنتجات الأردنية. وما لم يترافق تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي مع تثبيت تشريعات مستقرة لعشر سنوات على الأقل، وضمان سياسات متسقة تحمي المنتج الوطني من تضخم الكلف وتآكل الأرباح، فإن الأردن سيظل في حلقة مفرغة من الجدال والنقاش دون أن يتحقق التحول المطلوب.
إن الاستقرار التشريعي ليس مطلبًا ثانويًا، بل هو الركيزة الأساسية لبناء اقتصاد جاذب للاستثمار ومُنتِج قادر على المنافسة عالميًا



















