د. نهاد الجنيدي :- من النيل إلى الفرات أم من الشتات إلى الممات؟

الجزء الأول:
الشتات في جميع أنحاء العالم
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن رفع المشروع الصهيوني شعاره المزيّف: «من النيل إلى الفرات»، حاول أن يوهم أتباعه والعالم أن لهم دولة تمتد من مصر إلى العراق. لكن الحقيقة أن هذا وهم لا يقوم على أساس؛ لأن الله تعالى قد حكم عليهم في كتابه: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ (البقرة: 61). فكيف لمن كُتب عليهم الذلّ أن يُقيموا دولة عزيزة راسخة؟ وكيف لمن قُضي عليهم بالمسكنة أن يملكوا الأرض من النيل إلى الفرات؟
لقد سكنوا الأرض كلّها، نعم، لكنهم لم يملكوا منها شيئًا بحقّ. فشعاراتهم علوّ زائف، وحقيقتهم تشتّت متواصل.
قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ﴾ (الإسراء: 104).
لم يحدد النص القرآني أرضًا بعينها، بل جاء عامًا مطلقًا. أي أن مسيرتهم التاريخية محكومة بالانتشار والتشرد، لا بالتمكن والتمكين. وهذا ما وقع: فمنذ سقوط ممالكهم القديمة عاشوا متناثرين في أصقاع الأرض؛ في أوروبا الشرقية والغربية، في شمال إفريقيا واليمن والحبشة، في العراق وإيران، ثم لاحقًا في الأمريكيتين.
لقد عاشوا في الشتات كأقليات، يحملون معهم شعور الغربة أينما حلّوا. لم تجمعهم دولة، ولم توحّدهم راية، بل ظلوا كالغبار المبعثر، يلوذون بحماية ملوك وسلاطين، تارة بالمال وتارة بالخضوع.
هذا الشتات لم يكن مصادفة، بل هو عين الوعد القرآني. فالأرض كلها كانت سكنًا لهم، لكن ليس لهم فيها قرار. وإذا اجتمعوا، فليس ذلك تمكينًا، وإنما كما قال الله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾، ليكون الجمع نفسه بداية النهاية.
وعلى مرّ العصور، كانوا حيثما حلّوا مكروهين ومنبوذين بين الأمم، لا لعرقهم أو دينهم، بل بسبب سلوكهم في الاستغلال المالي، وتعاملهم بالربا، وتآمرهم مع القوى الطاغية على الشعوب، مما جعل المجتمعات تنفر منهم وتطردهم مرارًا وتكرارًا.
وجاءت وصاياهم الداخلية شاهدة على ذلك، ففي رسالة مشهورة منسوبة إلى أحد كبارهم، يقول:
“علِّموا أبناءكم الطبَّ ليُعالِجوا أبناءهم، وعلِّموهم القانون ليُحاكموا شعبهم، وعلِّموهم التجارة ليأخذوا أموالهم. اجعلوا لهم السيطرة على الذهب والفضة، فبهما تملكون رقاب الناس، وبالطب تتحكمون في حياتهم، وبالقانون تُمسكون برقابهم، وبالتجارة تملكون أقواتهم، فإذا اجتمعت لكم هذه السبل ملكتم الشعوب، واستعبدتم الأمم، وصارت حياتهم بين أيديكم.”
هذه الوصية تكشف الذهنية الاستغلالية التي صنعت صورة اليهود في وجدان الشعوب، وفسّرت جانبًا من كراهيتهم ونبذهم عبر التاريخ.
يتبع في الجزء الثاني…
حيث نعرض كيف ساعدت الحرب العالمية الأولى بانهيار الدولة العثمانية وفتح أبواب فلسطين للهجرة، والحرب العالمية الثانية بتعاطفها المصطنع وتمهيدها لقيام الكيان، والحرب الروسية الأوكرانية بدفع موجات جديدة من اليهود إلى فلسطين، وحرب غزة والتطاول على المحيط العربي بفضح الكيان أمام العالم، لتكون جميع هذه الأحداث أدوات في تفعيل مشيئة الله، وجمعهم لفيفًا إلى أرض النهاية



















