محمد عبد الجبار الزبن : خطابات جلالة الملك سطرٌ مضيء في تاريخ الإنسانية

يَحارُ القلم من أيّ بحار الإنجاز يبدأ، وذلك حينما نتناول إنجازات الأردنّ على الصعيد السياسيّ الدوليّ، فلو تناولنا حجم الجهود المبذولة التي تواصل الليل بالنهار، لوجدناها كثيرة يصعُبُ حَملها، ولكنّ الله ييسرها بحولِه وقوّته.، ولو تناولنا النوعية في تلك الإنجازات، لوجدنا أنّ الخطابات الملكيّة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، تشكّل جزءًا من تحريك صفحات التاريخ نحو الحلول المضيئة، مما يجنّبُ العالَم انعدام الثقة بالقيادات الحكيمة وهي تواجه المتغطرسين ممن يدفعون إلى الحروب والكوارث.
لقد غدت خطابات الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، المستندة إلى خبرات عالية، ومستمدة للحكمة من السلالة الهاشمية، وتمتلك النظرة الثاقبة للمستقبل الإقليمي والدوليّ، وتصدر عن نبع فيّاضٍ من العلم والمعرفة والسماحة والقوة في آن معا.
ولأنّ خطابات جلالته تأخذ طابع الحكمة ومخاطبة الوجدان الإنسانيّ، وتظهر حقيقة الوقائع بطريقة يفهمها العالم أجمع، فقد تبوأت مكانة مهمة في المحافل والمجامع الدولية، مما يجعلها سطرا مضيئا في حياة الإنسانية، ذلك أنّ التاريخ تكتبه الأجيال، ويبحث قارئ التاريخ عن السطور المضيئة، ليستمدّ منها الحكمة، وينأى الحكماء والقادة عن مزالق التاريخ المأساوية، والتي يمكن الحذر منها من خلال السطور المضيئة في تاريخ الأمم.
وقبل أن أستعرضَ غيضًا من فيض الخطابات الملكية، دعوني أذكّر القرّاء الأكارم، من أنّ العمل السياسيّ ليس بالأمر السهل، وأنّ الخطابات التي يوجهها حكماء قادة العالم، ينبني عليها مستقبل الأمم، وأنّ السياسة ومنذ الانفتاح العالميّ أصبحت هي الكلمة الأجدى نفعا لإيقاف التهورات غير المسؤولة من بعض متخذي القرارات في دولهم، كما أنّ الجرح النازف في غزة يحتاج إلى بذل الوسع في إيقافه، وبطريقة تمنع نزيفا بعده.
كما أودّ الإشارة إلى أمر يستجليه كلّ مُنصف، من أنّ الخطابات الملكية حققت إنجازا بليغا في تحريك النظرة العالمية إلى حقيقة الصراع في فلسطين، وإلى معرفة الواقع الأليم الذي يعيشه أهلنا في غزة، وهذا التحريك أيقظ وجدان أمم كانت غائبة عن المشهد، وما كان لها أن تستيقظ بعد أمر الله تعالى، إلا بما يبذله جلالة الملك في خطاباته الجريئة في الحقّ، الواضحة في المطالبة بالمستحقّ، النابعة من التحذير من مغبة التغافل عن حقوق الأمم، المبينة لمعالم الحلول الأقرب لقضية العالم، أي: قضية فلسطين.
ومما نأخذ منه إضاءات نقرأ من خلالها: الانتماء للمبادئ، وهو يبدأ بالبسملة وبالصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم، وبالسلام على الأنبياء كلما عرضت سيرتهم في مقالاته، ثمّ العزيمة في بيان الحقّ، ما قاله جلالة الملك في خطابه في هيئة الأمم المتحدة، التي اتحدت اليوم لإيجاد حلّ لقضية فلسطين وإنهاء النزاع في غزّة، أو أيّ قضية محورية تتناولها خطابات جلالته، فضلا عن المبادرات العالمية التي حققت صدى واسعا في التقارب على الصعيد الإنسانيّ والتقليل من الخلافات والنزاعات والعنصرية.
من الخطاب الملكي: (إن الصمت يعني: قَبول الوضع الحالي، والتخلي عن إنسانيتنا) ففي هذا الوصف المتناهي بالدقة، والذي يضع العالم أمام قرار لا مساومة فيه، وهنا يأتي التوجيه الملكي في خطابه إلى العالم ليقول لهم ما يجب عليه فعلهم، ولكن بأدب خطابات الملوك المعهود، بحيث يخطاب نفسه، وهو في موقع إذا خاطب نفسه يعني: أنه يخاطبهم، فقال جلالته: (وهو أمر لا يمكنني القيام به)، أي: وأنتم يا قادة العالم لا يمكنكم الصمت عما يحدث في غزّة.
ثمّ شرع جلالته في التمهيد للسؤال المحوريّ الذي لا يجوز أن ينفضّ الاجتماع عن غير الإجابة عنه، فقال جلالته: (يستمر القصف العشوائي الذي يستهدف الفلسطينيين.. مرارا وتكرارا، يستشهد الفلسطينيون ويصابون وتشوه أجسادهم.. مرارا وتكرارا، يشردون ويجردون من كل شيء.. مرارا وتكرارا، يُحرمون حمن حقوقهم الأساسيةوكرامتهم الإنسانية.. مرارا وتكرارا)، وبعد هذا الوصف المرير لأهلنا في غزة، يوجه جلالتته السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه من الأمم التي تسعى لمنع وجود تلك الحالة المأساوية لأناس هم ينتمون لهذا العالم.
وهنا.. يقول جلالته: (وهنا يجب أن أسأل: إلى متى؟). وهو سؤال حرّك كثيرا من مشاعر القادة والساسة المجتمعين.
ستبقى الخطابات الملكية محورا مهما في تحريك عجلة السلام، وكبح جماح العدوان على الإنسانية، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وسيأتي يوم تدرس الأجيال تلك الخطابات على أنها دروس في الأدب العربيّ المعاصر، لتنهل الأجيال العلم من حياكة الكلمة وسبك الحروف، لتضيء للعالم كيف يمكنه أن يصنع الحضارة، فليست الحضارة كلها صناعة، بقدر ما هي مبادئ وقيم تقوم عليها الحضارة.



















