"مخيم البقعة.. حيث تتكلم النفايات عن الإهمال"

بقلم: زياد العليمي
في مخيم البقعة، لا حاجة لبلاغة الخطب ولا زخرفة الشعارات، فالنفايات المنتشرة في الشوارع تتحدث بوضوح فصيح عن حجم الإهمال، بل عن غياب الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية تجاه المخيم وسكانه. هناك، لا تصرخ الكلمات، بل تصرخ الروائح الكريهة، وتهمس الأمراض في آذان أطفال لم يرتكبوا ذنبًا سوى أنهم وُلدوا لاجئين في وطنٍ مؤقت طال به الانتظار.
ليس المطلوب معجزة. فقط، شوارع نظيفة، حاويات فارغة بانتظام، وبيئة تحفظ للناس ما تبقى من كرامة العيش. لكن، يبدو أن البديهيات تحوّلت إلى مطالب صعبة، و"النظافة" صارت مطلبًا يُكتب في البيانات بدل أن يُمارس على الأرض.
المسؤولون في وكالة الغوث الدولية (الأونروا)، ومدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية، المهندس رفيق خرفان، يعلمون جيدًا تفاصيل الأزمة، فقد كُتب الكثير وقيل الكثير، لكن السؤال الذي يبقى معلقًا: لماذا لا يتغير شيء؟
المخيم ليس نشرة إخبارية تُقرأ، بل مساحة حقيقية تعج بالحياة، بالوجع، وبالكدّ اليومي. ومن الظلم أن يتحول إلى ملف بيروقراطي يُدار من خلف مكاتب مغلقة، في حين أن الواقع على الأرض لا يحتاج إلى تقارير، بل إلى نزول فعلي، إلى مواجهة الحقيقة دون تجميل.
لا جدلية هنا سوى بين الواقع والتجاهل، بين صوت الناس وصمت الجهات المعنية. وإن كان البعض يصرّ على ربط أي صوت ناقد بموقف سياسي أو أجندة، فإننا نرد ببساطة: الكرامة لا تُختصر في الشعارات، بل تبدأ من الشارع، من النظافة، من الصحة، من الخدمات.
ما يحدث في مخيم البقعة ليس حدثًا عابرًا، بل جرحٌ يومي يتجدد مع كل صباح، حين تفتح النوافذ على مشهد النفايات، وتغلق القلوب على شعور بأن المخيم، بما يحمله من رمزية وتاريخ، بات في أسفل أولويات الجميع.
إننا لا نكتب للشكوى، بل نكتب لنحمل الكلمة كسلاح نظيف في وجه الإهمال. نكتب لنقول: افتحوا نوافذ الحقيقة، وانزلوا إلى الشارع، وانظروا في عيون الناس قبل أن تُمعنوا في قراءة التقارير.
البقعة لا تحتاج خطابًا جديدًا، بل عقلية جديدة.
عقلية ترى في هذا المخيم مسؤولية، لا عبئًا.
وترى في أبنائه بشرًا، لا أرقامًا.
وترى في نفاياته كارثة، لا مجرد تفاصيل يومية.
البقعة تستحق الكثير... ومن لا يراه، فليدخلها من أحد أزقتها الضيقة، في صبيحة يومٍ عادي، بدون إعلام، وبدون موكب، وبدون مجاملات.



















