+
أأ
-

سامح المحاريق : لا مجال للاسترخاء.. المنطقة بعد حرب غزة

{title}
بلكي الإخباري

يفترض أن تمضي خطة الرئيس ترامب قدمًا على الأقل فيما يتعلق بوقف العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، وبناء شكل من الإدارة المحلية في القطاع من غير مشاركة حماس والمقاومة التي تحفظت على إلقاء السلاح بشكل نهائي وربطته بالإنسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وهو المتضمن في الخطة بشكل أو بآخر، ولكن تبقى التفاصيل التفاوضية والمدى الزمني الذي ستسغرقه هذه الترتيبات.

الآن يمكن التساؤل هل ستكون غزة في وضع أفضل مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر 2023؟

بقي قطاع غزة محاصرًا لسنوات طويلة ووصلت فيه الظروف المعيشية إلى حافة حرجة قبل الحرب، ولكن بقيت الحياة مستمرة بشكل أو بآخر، وكان التحدي الأساسي هو انسداد أفق أي تسوية مع وجود احتمالات مستمرة لحملات عسكرية إسرائيلية تعددت خلال السنوات التي شهدت سيطرة حركة حماس على القطاع، بل وكانت تقديرات حركة حماس أن إسرائيل تحضر لعملية واسعة في القطاع قبل السابع من أكتوبر، وأتت عملية طوفان الأقصى لتكون حدثًا استباقيًا ستبقى تفاصيله غامضة لسنوات طويلة.

اليوم لا يوجد فعليًا ما يمكن وصفه بالحياة في قطاع غزة، ونحو مليوني إنسان من المحاصرين يعيشون محنة إنسانية غير مسبوقة أحرجت المجتمع الدولي ودفعته لممارسة ضغوطات واسعة لإنهاء هذه الحالة، مع الإبقاء على اليد العليا لإسرائيل وأمنها الذي تحول هو الآخر إلى أداة ضغط استثمرتها الحكومة الإسرائيلية بصورة كثيفة.

لا يمكن القول بأن الوضع في غزة سيكون أفضل مما كان عليه سابقًا، فإعادة الإعمار ستمتد لسنوات، وستتم هندسة المجتمع بصورة أمنية، والحديث عن أي تواجد لغزة ضمن دولة فلسطينية سيكون شكليًا، وحتى السلطة الوطنية ومشروع الدولة الذي يمكن تمريره فهو قد يبقى موضوعًا للتقزيم والتقليم إلى أن يصبح مجرد شكل من غير محتوى، وبالطريقة التي تمتثل للمتطلبات الإسرائيلية.

قد لا تعني الموافقة على خطة ترامب والمباشرة في تأسيس واقع جديد في غزة أن ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية سينتهي، ولكن من المتوقع أن تتغير استراتيجية إعادة هندسة الضفة الغربية بالطريقة التي تضع أمن إسرائيل فوق أية اعتبارات تتعلق بطموحات الفلسطينيين ومصالحهم، وأن تبدأ موجة من التهجير الناعم يتوجب على الدول العربية والإسلامية أن تعمل على مواجهتها بأدوات دبلوماسية وأخرى اقتصادية.

من الضروري ألا يعتبر الوصول إلى اتفاق في غزة إلى نهاية تدفع للاسترخاء بعد التوتر الطويل والصعب في العامين الماضيين، بل والمطلوب هو وجود نفس الكتلة التي اجتمعت مع الرئيس ترامب قبيل إعلان خطته لتشكل خلية تواصل التعامل مع القضية الفلسطينية والشؤون المتعلقة بها، خاصة أنها تجمع بجانب الأردن والسعودية ومصر والإمارات وقطر، الدول الإسلامية المؤثرة تركيا وباكستان وأندونيسيا، وهذه المرة الأولى التي تقترب من الشأن الفلسطيني إلى هذه المسافة وتعتبر ظهيرًا للكتلة العربية التي ستخوض في تحديد شكل المنطقة في السنوات المقبلة.

الدوافع كثيرة ولكن في مقدمتها العدوانية التي مارستها إسرائيل في المنطقة والوقائع الجديدة التي تتشكل حولها، ووجود يمين إسرائيلي يؤمن بالهيمنة ومنطق القوة ويرفض التعاون والمشاركة، وفي ظل احتمالات قوية لأن تتفرغ إسرائيل بعد حرب غزة للعمل على مشروع إقليمي يبدأ من حرب مع إيران، ومن ثم الالتفاف نحو جماعة الحوثيين في اليمن، واستغلال الأوراق الإفريقية التي استثمرت اسرائيل فيها طويلًا في أثيوبيا وأرتيريا.

بشكل أو بآخر الصراع في المنطقة جزء من صراع عالمي أوسع سيتعلق بطرق التجارة ومحطات التصنيع التي تسعى لتفكيك الهيمنة الصينية على الإنتاج العالمي، والانعطافات كثيرة ومفاجئة، فروسيا التي تحضر في البريكس يمكن أن تحصل على ترضيتها الخاصة، والصينيون لا يمتلكون رؤية قيادية في العالم، والدول كثيفة السكان في المنطقة مصر وتركيا، وقد تكون إيران مستقبلًا تبحث عن مكان في الخارطة الجديدة أمام رغبة إسرائيلية في الهيمنة وتحديد المسارات وإدارتها لمصلحتها، والأردن في وسط ذلك كله، يمكن أن إمكانياته تبقى محدودة، ولكن تأثيره ليس ثانويًا ولا هامشيًا، والمطلوب هو القدرة على الاستجابة والتخلص من تشويش كثير محتمل