زياد العليمي. يكتب : الانتصار الذي هزّ العالم: غزة... كرامة العرب وصانعة فجر الدولة الفلسطينية

في زمن تراجعت فيه المبادئ وانحنت الهامات، أبت غزة، شريان الكرامة العربي، إلا أن تكون القامة التي لا تنحني، والقلب الذي لا يخشى. لم يكن الصمود في وجه "أكبر أسطول عسكري في تاريخ البشرية" مجرد معركة عسكرية، بل كان تجسيداً للفعل الذي يكتب مجد الأمة، وموعداً صادقاً أعلنت فيه غزة بوضوح: “لقد انتصرنا... لنعيد تعريف النصر ذاته.”
هذا الانتصار، الذي دفع ثمنه شعبنا دماً ودماراً لا يوصف، ليس انتصاراً عابراً في سجل المقاومات. إنه "انتصار العرض" على "صلف القوة"، و"انتصار الإرادة" على "آلة القتل". لقد كشفت غزة للعالم أن الاحتلال، مهما بلغ من جبروت، يبقى بناءً هشاً لا يصمد أمام صخرة حق لا يزول.
السؤال الجدلي العظيم: هل يستمر هذا الانتصار ليُتَرجَم إلى الخاتمة الكبرى التي يصبو إليها كل عربي ومسلم؟ هل سنشهد في نهاية المطاف الفعل التاريخي الذي طال انتظاره: كنس الاحتلال، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتحقيق حق العودة المقدس، وإقرار حق تقرير المصير؟
إن صدى ما حدث في غزة يتجاوز حدود الجغرافيا:
على الصعيد السياسي: لقد أعادت المقاومة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة العالمية، لا كقضية إنسانية للمساعدات، بل كقضية "سيادة ووجود". الضغوط تتصاعد، والأصوات الدولية المطالبة بإنهاء الاحتلال والذهاب إلى حل سياسي شامل تتزايد حدتها.
على الصعيد الاستراتيجي: أثبتت غزة أن كسر حالة الجمود السياسي هو ممكن، بل هو حتمي. لقد باتت الأطراف الدولية والإقليمية تدرك أن استمرار الاحتلال هو وصفة لعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها، وأن "أمن" الجميع مرهون بـ"عدل" الفلسطينيين.
على صعيد الكرامة: النصر الحقيقي الذي حققته غزة هو إعادة بعث الروح العربية والإسلامية في الدفاع عن مقدساتها وحقوقها. لقد كان صمودها درعاً وتاجاً، انتصاراً لكرامة أمة بأكملها.
طريق التحرير.. مرحلة ما بعد الصمود:
إن المرحلة المقبلة هي الأصعب والأكثر حيوية. فبعد الصمود العسكري، يأتي صمود الإرادة السياسية. يجب أن يُستثمر هذا الانتصار الجدلي لتحقيق الأهداف النهائية:
توحيد الموقف الوطني: إن بناء الدولة يبدأ من الداخل، بتوحيد الكلمة الفلسطينية والتوافق على خارطة طريق وطنية تقود إلى التحرير.
استغلال الزخم الدولي: يجب الضغط بقوة لتثبيت القرار الدولي بإنهاء الاحتلال وتحديد جدول زمني ملزم لذلك، وتحويل الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية إلى فعل على الأرض.
القدس والعودة: لا سلام دون القدس الشريف عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية، ولا استقرار دون حل عادل لقضية اللاجئين وفقاً للقرارات الدولية.
إن هذا الصمود الذي تحدى به الفلسطينيون أعظم قوة عسكرية، هو الإسمنت الذي سيبنى به الغد. غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل هي مختبر الكرامة وصانعة الأمل. الإيمان بأن هذا الصمود سيستمر حتى كنس آخر جندي من أرضنا، هو يقين لا يتزعزع.
نعم، موعد الانتصار قد تحقق، وشرارة التحرير انطلقت من غزة. فليكن فجر الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو)، وعاصمتها القدس الشريف، هو الثمرة المستحقة لتضحيات شعبنا العظيم.



















