م. رنا حجايا. تكتب : خارطة طريق لتطوير الإدارة المحلية في الأردن: رؤية سياسية لتحقيق اللامركزية الرشيدة

رنا الحجايا، رئيسة بلدية سابقة وخبيرة في الإدارة المحلية **(هذة المقاله ستكون مقدمه لسلسة مقالات لتوضيح خارطة الطريق للادارة المحليه في الاردن )
تمثل اللامركزية الإدارية ركيزة جوهرية لتعزيز الحكم الرشيد، تمكين المواطنين، وتحقيق تنمية محلية شاملة ومستدامة، وهي محور الرؤية الملكية لجلالة الملك عبدالله الثاني الهادفة إلى تعزيز المشاركة الشعبية وتوزيع عادل للموارد. في هذا الإطار، قدمت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية توصيات طموحة لتطوير الإدارة المحلية في الأردن، تتمحور حول نهج تدريجي عبر ثلاث دورات انتخابية تهدف إلى تقوية الهياكل المنتخبة والمعينة، استحداث مجالس الأقاليم، ونقل واسع للصلاحيات لتحقيق حكم محلي رشيد. ومع ذلك، فإن غياب خارطة طريق واضحة يُعد تحديًا رئيسيًا يعيق تحقيق هذه الرؤية. مستندة إلى خبرتي كرئيسة بلدية سابقة وصوت نشط في قطاع الإدارة المحلية، أقدم في هذا المقال رؤيتي لسد هذه الفجوات، مستلهمة من الممارسات الدولية الفضلى، مع اقتراحات عملية تركز على عناوين مراحل خارطة طريق متكاملة لتحقيق اللامركزية الرشيدة.تحليل الفجوات: تحديات التنفيذ في ضوء الخبرة المحليةمن خلال خبرتي العملية في إدارة بلدية، أدركت أن نجاح اللامركزية يتطلب إطارًا تنفيذيًا واضحًا يراعي التحديات الميدانية، مثل نقص الموارد، ضعف التنسيق، ومحدودية المشاركة الشعبية. التوصيات المقترحة من اللجنة الملكية، رغم طموحها، تعاني من فجوات جوهرية:
1. غياب جدول زمني واضح: الإشارة إلى "ثلاث دورات انتخابية" دون تحديد تواريخ أو مدد زمنية تجعل التنفيذ عرضة للتأخير والمماطلة، مما يعيق التخطيط الاستراتيجي ويقلل من جدوى التوصيات.
2. نقص معايير قابلة للقياس: غياب مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، مثل نسبة الخدمات المدارة محليًا أو كفاءة إدارة الموازنات، يجعل تقييم التقدم صعبًا، ويحد من المساءلة، ويؤخر الانتقال بين المراحل.
3. ضعف الآليات القانونية: مصطلح "نقل سلِس للصلاحيات" يفتقر إلى تفاصيل حول ماهية الصلاحيات، الجهات المستلمة، وكيفية التنفيذ، مما قد يؤدي إلى تداخل بين دور المحافظ كممثل تنفيذي لوزارة الداخلية واستقلالية المجالس المنتخبة.
4. غياب نظام تقييم مستمر: عدم وجود آليات لتقييم التقدم أو معالجة التحديات أثناء التنفيذ يحد من القدرة على تصحيح المسار، كما شهدتُ خلال عملي في إدارة المشاريع البلدية.
5. ضعف إشراك أصحاب المصلحة: رغم الإشارة إلى "النقاش المجتمعي"، لا توجد أطر منهجية لإشراك الأحزاب، منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، مما يقلل من فعالية الموازنة التشاركية.
6. غموض دور المحافظ: التوصيات لا توضح كيفية تطوير دور المحافظ من تنفيذي مركزي إلى تنسيقي ورقابي يدعم اللامركزية، وهو تحدٍ واجهته في التجربة البلدية بسبب الاعتماد الكبير على التوجيهات المركزية.
علينا ان نوضح دور المحافظ وارتباطه بوزارة الداخلية وفقًا لنظام التشكيلات الإدارية رقم (47) لسنة 2000 وقانون الإدارة المحلية رقم (22) لسنة 2021، يُعد المحافظ ممثلًا للسلطة التنفيذية في المحافظة، ويتولى مهام تشمل الإشراف على تنفيذ السياسات الحكومية، الحفاظ على الأمن والنظام العام، الإشراف على المشاريع التنموية والخدمية، والتنسيق مع الجهات المركزية عبر تقديم التقارير إلى وزارة الداخلية.
يرأس المحافظ مجلس المحافظة التنفيذي، الذي يضم نائبه، المتصرفين، وممثلي الجهات الحكومية، ويعمل تحت إشراف وزارة الداخلية. هذا الارتباط يعكس نهجًا مركزيًا جزئيًا، حيث يقوم المجلس بتنفيذ الموازنة التشاركية، التي تهدف إلى إشراك المواطنين، الأحزاب، ومنظمات المجتمع المدني في اتخاذ القرارات التنموية. ومع ذلك، يظل دور المجلس استشاريًا إلى حد كبير، مما يعيق تحقيق اللامركزية الكاملة، كما لاحظتُ خلال تجربتي العملية في إدارة شؤون بلدية.الاستلهام من الممارسات الدولية ان نجاح اللامركزية يعتمد على خارطة طريق واضحة تحدد المراحل، الأهداف القابلة للقياس، وآليات نقل الصلاحيات مع ضمان مشاركة المواطنين . ويشدد البنك الدولي على ضرورة "تصميم نظام مالي محلي مستدام مدعوم بخارطة طريق تحدد معايير الجاهزية". كما يوضح الميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي أن "الاستقلالية المحلية تتطلب إطارًا زمنيًا واضحًا وآليات رقابة مستقلة". هذه الممارسات تدفعني لتقديم حلول عملية ترتكز على خبرتي الميدانية. عناوين مراحل خارطة الطريق كرئيسة بلدية سابقة وخبيرة في الإدارة المحلية، أقترح خارطة طريق لتطوير الإدارة المحلية في الأردن تركز على سد الفجوات المذكورة، مع التوازن بين دور المحافظ التنفيذي وطموحات اللامركزية. تشمل المراحل الرئيسية وهي فقط عناوين عامه :
تعزيز قدرات الهياكل المحلية: تمكين مجالس المحافظات والبلديات من إدارة الخدمات الأساسية، مثل النظافة وإدارة النفايات، تركز على الكفاءة الإدارية والمالية، مستندة إلى تجربتي في تحسين الخدمات البلدية.و من جانب اخر ضرورة إعادة تعريف دور المحافظ ليكون تنسيقيًا ورقابيًا،معارتباط مجلس المحافظة بوزارة الداخليه و ليس وزارة الادارة المحليه لاهتلاف الاختصاص , مما يدعم استقلالية المجالس المنتخبة ويقلل من التدخل المركزي.
عدم اللجوء الى تفكيك البلديات و تفتيتها من خلال ما سمي بالمجالس المحليه كونها تجربه سابقه لم تنجح بل الاعتماد على مبدا المناطق و تعزيز الانظمة الصادرة بخصوص الشفافيه و العداله في الخدمات و هذا الدور يتم من خلال تمكين اعضاء المجالس البلديه المنتخبين و توسيع التقارير السنويه و نشرها على الاعلام فيما يتعلق بنشاطات البلديات .
ثانيا العمل على تطوير إيرادات محلية مستدامة:على صعيد البلدييات اولا من خلال سياسات ماليه تعتمد على منهجيات تعاونيه و استثماريه وإنشاء قواعد بيانات عقارية دقيقة، لتقليل الاعتماد على الموازنات المركزية.و تقديم حوافز استثمارية للقطاع الخاص لدعم المشاريع التنموية، خاصة في المحافظات الأقل تنمية، كما شهدتُ نجاحًا في جذب استثمارات محلية خلال عملي البلدي. و ثانيا على المستوى الاجرائي من خلال تعزيز منظومة الموازنه التشاركيه في مجالس المحافظات يكون فيها للاحزاب دور اساسي و لمنظمات المجتمع المدني .
في حالة نقل الصلاحيات او توسيع هذة الصلاحيات يجب ان تحدد مفهوم نقل الصلاحيات و تحديد المجالات (مثل التخطيط التنموي وإدارة الموازنات) والجهات المستلمة و اليات عملها و الاسباب و وجود خطة مراجعه مستمره لذلك و المدد الزمنيه وإنشاء لجنة مشتركة للإشراف على النقل، مع ضمان التوازن بين الإشراف المركزي واستقلالية المحافظات.
من المهم ان تحتوي خارطة الطريق على إنشاء نظام تقييم ومساءلة مستقل لقياس التقدم في اللامركزية،حيث تقدم تقارير سنوية إلى وزارة الداخلية حول ادارة الإيرادات المحلية، المشاريع المنفذة، ورضا المواطنين.وفق منهجيات دوليه و اسس عالميه تضمن الحوكمه. و دمج منظمات المجتمع المدني والأحزاب في لجان استشارية لتعزيز الشفافية، مستندة إلى تجاربي في إشراك المجتمع المحلي في التخطيط.
ويبقى الدور الابرز في تعزيز المشاركة الشعبية والتمكين: دعم إنشاء منصات رقمية لنشر تقارير الأداء وإشراك المواطنين في التخطيط ان مجالس الظل المقترحه في منظومة التحديث السياسي هي مفهوم غامض و يشكل ثغره في حال عدم تنفيذة بما يدعم اسس اللامركزيه و العمل البلدي بالاضافه الى ان يصبح هناك تداخل في الصلاحيات
كرئيسة بلدية سابقة، أؤكد أن تحقيق اللامركزية الرشيدة في الأردن يتطلب تجاوز الفجوات الحالية في التوصيات من خلال تصميم خارطة طريق تركز على تعزيز القدرات المحلية، تطوير الإيرادات المستدامة، نقل الصلاحيات، إنشاء نظام تقييم مستقل، وتمكين المشاركة الشعبية.
كما يقول الميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي: "الحكم المحلي الفعال هو ذلك الذي يمنح المواطنين الحق في المشاركة ويضمن توزيعًا عادلًا للموارد". من خلال هذه المراحل، يمكن للأردن أن يرسي نموذجًا للإدارة المحلية يعكس طموحات المئوية الثانية، مع التوازن بين دور المحافظ التنفيذي واستقلالية المحافظات، ليصبح نموذجًا رائدًا للحكم المحلي في المنطقة.
Rana_hajaya@yahoo.com



















