البروفيسور محمد علي المعايطة يكتب: الجامعات الأردنية ودورها في صقل شخصية الطالب وتمكينه للريادة والتميّز المهني

واضاف الي توصيات الي الحكومه الرشيدة
كتب الأستاذ الدكتور محمد علي المعايطة
استشاري جراحة الوجه و الفكين و التشوهات الخلقية عند حديثي الولاده و البالغين
نائب عميد كليه طب الأسنان في جامعة بترا
تُعدُّ الجامعات الأردنية صرحًا وطنيًّا شامقًا ورسالةً حضاريةً سامية، إذ لا تقتصر وظيفتها على تقديم المعرفة الأكاديمية فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى بناء الإنسان وصقل شخصيته، ليكون قادرًا على حمل درجته العلمية بجدارة، وليغدو عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا في مجتمعه، وقدوةً في سلوكه وقيمه وتعاملاته.
فالإستراتيجية الحقيقية لأي جامعة ناجحة تقوم على قولبة شخصية الطالب وتزويده بمفاتيح العلم، لا بتلقينه التفاصيل الجاهزة أو الحفظ الأعمى للمعلومات، بل بتعليمه كيف يتعلم، وكيف يبحث ويحلل وينقد ويبدع. فالمعرفة اليوم لا تُمنح جاهزة، بل تُكتسب بالمثابرة والبحث المستمر، وبالقدرة على تحويل المعلومة إلى فكر وإبداع وعمل منتج.
ومن هذا المنطلق، فإن الجامعات الأردنية مدعوّة دومًا إلى تعزيز برامج التدريب العملي، والتأهيل المهني، وتنمية مهارات التواصل (Communication Skills)، إلى جانب ترسيخ مفاهيم الإتيكيت الأكاديمي والمهني، وأهمية العلاقات العامة والتفاعل الإنساني الراقي الذي يعكس هوية الجامعة ومكانتها.
كما أن من الواجب التأكيد على أن الحصول على شهادة جامعية لا يعني بالضرورة بلوغ المناصب العليا أو تقلّد المسؤوليات الكبرى فور التخرّج، فالحياة المهنية، شأنها شأن أي مسيرة علمية، تتدرج على سُلّمٍ من الجهد والتجربة والالتزام، كما هو حال العلماء وروّاد الفكر وحَمَلة جائزة نوبل الذين بدأوا خطواتهم الأولى بصبرٍ وشغفٍ قبل أن يبلغوا القمّة.
ومن هنا، فإن الجامعات الأردنية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتعزيز ثقافة احترام الذات واحترام المؤسسة الأكاديمية، وتحفيز الطلبة على أهمية التعلّم المستمر (Continuous Learning) والإبداع والإنتاج، وغرس روح الطموح والمسؤولية في طلبتها، ليكونوا بعد تخرّجهم قادة فكرٍ وتنمية، لا مجرّد طالبي وظائف، مؤمنين بأن الحياة ليست “كبسة زر”، بل رحلة علمٍ وعملٍ وبناءٍ لا تنتهي.
وفي هذا اليوم، لا بد من الإشارة إلى أن الوقت قد حان لتدرك الجامعات الأردنية أن دورها لا يقتصر على تخريج حملة شهادات علمية، بل على صناعة علماء قادرين على التفكير النقدي والإبداعي، وعلى تطوير أنفسهم باستمرار. فالفشل في خلق العقول المنتجة والمبدعة هو خسارة وطنية، لا تخص جامعة بعينها، بل تمسّ مستقبل الأجيال ومسار التنمية بأسره.
وإيمانًا مني بأهمية تطوير منظومة التعليم العالي في وطننا العزيز، فسوف أقوم بإذن الله بعمل توصيات للجامعات الأردنية لإعداد الخريجين للقيادة، والاستعداد المهني، والتأثير مدى الحياة، وطرحها للنقاش على مستوى المسؤولين في المؤسسات التعليمية العليا والجامعات الأردنية، بما يسهم في تعزيز جودة التعليم وربط مخرجاته باحتياجات التنمية الوطنية المستدامة.
. “ ~من التعليم إلى القيادة: توصيات يضعها الدكتور محمد المعايطة بين ايدي حكومتنا الرشيدة لتفعيل دور الجامعات في بناء الإنسان والقيادة الوطنية”~
في اقتصاد المعرفة الحديث، تتحمل الجامعات مسؤولية جسيمة، ليس فقط في التعليم، بل أيضًا في تمكين الخريجين من القيادة والابتكار والخدمة.
ولتحقيق هذه المهمة، يجب على مؤسسات التعليم العالي اعتماد استراتيجية شاملة تجمع بين التميز الأكاديمي والتطوير الشخصي والأخلاقي والمهني.
توضح التوصيات التالية الركائز الأساسية لإعداد خريجين مستعدين لتلبية المتطلبات المتطورة للقرن الحادي والعشرين:
1. دمج مهارات التواصل والتفاعل الشخصي في جميع التخصصات
يُعد التواصل الفعال حجر الزاوية في القيادة. ينبغي على الجامعات تضمين التدريب على التواصل الكتابي والشفهي والثقافي في كل منهج دراسي، مما يضمن قدرة الخريجين على التعبير عن أفكارهم بوضوح، والتعاون بكفاءة، والانخراط بثقة في بيئات متنوعة.
يجب أن تكون ورش العمل، ووحدات الخطابة، والمشاريع التعاونية مكونات إلزامية في كل برنامج.
٢. ترسيخ الأخلاقيات والنزاهة المهنية
تبدأ القيادة الأخلاقية بالتربية الأخلاقية. يجب على الجامعات التأكيد على النزاهة الأكاديمية والاحترام والتعاطف والمساءلة كقيم أساسية في التدريس والبحث والممارسة المهنية.
لا ينبغي أن تقتصر الأخلاقيات على النظرية، بل ينبغي تعزيزها من خلال التعلم القائم على الحالات، ومناقشة المعضلات الأخلاقية، ومشاريع التأمل المجتمعي
٣. تعزيز الابتكار والتفكير النقدي
ينبغي على الخريجين أن يتخرجوا من الجامعة ليس كمستهلكين للمعرفة فحسب، بل كمبدعين وقادرين على حل المشكلات. ينبغي على المؤسسات إنشاء مختبرات ابتكار، وحاضنات بحثية، ومراكز مشاريع متعددة التخصصات تُمكّن الطلاب من استكشاف الأفكار والتجربة، وترجمة النظريات إلى ممارسات عملية. إن تشجيع التفكير التصميمي، وريادة الأعمال، ومحو أمية البيانات يُمكّن الخريجين من التكيف والقيادة في عالم سريع التغير.
٤. تعزيز التعلم مدى الحياة والتطوير المهني
الاستعداد المهني ليس نهاية المطاف؛ بل هو عملية مستمرة. ينبغي على الجامعات غرس ثقافة التعلم المستمر من خلال تقديم برامج الإرشاد المهني، والاعتماد الجزئي، وتنمية المهارات التي تمتد إلى ما بعد التخرج.
تضمن الشراكات مع قطاع الصناعة والهيئات المهنية أن تظل المناهج الدراسية ذات صلة وتطلعية.
٥. تشجيع المشاركة المجتمعية والتعلم من خلال الخدمة
يجب أن يرتكز التعليم على المسؤولية الاجتماعية. تُمكّن مبادرات التعلم الخدمي والمشاريع المجتمعية الطلاب من تطبيق معارفهم على التحديات المجتمعية الحقيقية، مع تنمية التعاطف والتواضع والوعي المدني. تُنمّي هذه التجارب خريجًا لا ينجح شخصيًا فحسب، بل يُساهم أيضًا بشكل هادف في الصالح العام.
6. تنمية الذكاء الثقافي والمواطنة العالمية
في عالم مُعولم، ينبغي على الجامعات تنمية الكفاءة بين الثقافات وفهم التحديات العالمية.
تُؤهل برامج التبادل الدولي، والتعاون الافتراضي، والحوارات بين الثقافات الخريجين للقيادة بشمولية وحساسية عبر الحدود.
7. بناء المرونة، والذكاء العاطفي، وعقلية القيادة
تتطلب القيادة اليوم القدرة على التكيف والنضج العاطفي. تُساعد البرامج المُهيكلة في الذكاء العاطفي، والعمل الجماعي، وإدارة الإجهاد، و تقليص النزاعات بين الخريجين و تدريبهم على التعامل مع بيئات مهنية مُعقدة مع الحفاظ على الرفاهية والتوازن.
الخلاصة
يتجاوز دور الجامعة الحديثة التعليم الأكاديمي؛ إنها رحلة تحويلية تُصقل الشخصية والكفاءة والضمير. ومن خلال دمج التواصل والأخلاق والابتكار والمشاركة المجتمعية والتعلم مدى الحياة، تستطيع الجامعات تخريج خريجين ليسوا فقط مؤهلين مهنيًا، بل أيضًا قادةً يتمتعون بالنزاهة، وفاعلين في التغيير، وسفراء للإنسانية.
بقلم: الأستاذ الدكتور محمد علي المعايطة
استشاري جراحة الوجه و الفكين و التشوهات الخلقية عند حديثي الولاده و البالغين
نائب عميد كليه طب الأسنان في جامعة بترا



















