د.فوزان العبادي يكتب:- بين السلطتين والشعب... من يَسمع من؟

في الآونة الأخيرة، صدرت تصريحات من مسؤولين في السلطتين التشريعية والتنفيذية أثارت استياءً واسعًا في الشارع، ليس بسبب مضمونها فحسب، بل بسبب الطريقة التي عُبّر بها عن الموقف الرسمي تجاه المواطنين. نبرة الخطاب بدت فوقية، تنطوي على عتبٍ على الناس بدلاً من الإصغاء لهم، وكأن المسؤول ينسى أنه وُجد لخدمتهم لا لتقويمهم.
المسألة هنا لا تتعلق بجملة أو تصريح عابر، بل بنهجٍ متكرر في التواصل الرسمي مع الرأي العام. فحين يتحدث من بيده السلطة التشريعية أو التنفيذية بنغمةٍ تُشعر المواطن بأن الدولة تتبرّم من نقده أو تشكّك في وعيه، فإن الرسالة تصل معكوسة تمامًا. في زمن الضيق، يحتاج الناس إلى مسؤولٍ يُشعرهم بالاحتواء لا بالمحاسبة، وبالاحترام لا بالتقريع.
لقد بات واضحًا أن الفجوة بين الشارع والمؤسسات الرسمية تتسع، ليس فقط بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بل بسبب الخطاب السياسي البارد الذي يُقصي الناس من المشاركة، ويصوّر الاعتراض أو المطالبة بتحسين الوضع وكأنه تهديد لا حق مشروع. إن الحكومة التي تريد أن تبني ثقة حقيقية مع شعبها، عليها أن تبدأ بإصلاح لغتها تجاهه قبل أن تطلب منه الصبر أو التفهّم.
يجب أن يُدرك أصحاب القرار أن الشرعية السياسية لا تُكتسب من المنصب، بل من القبول الشعبي، وأن احترام المواطن هو أول خطوة نحو استعادة هذه الشرعية. فليس من المقبول أن تُختزل مطالب الناس في وصفات شعبوية أو اتهامات بالتشويش، ولا أن تُقابل تساؤلاتهم بردود متعالية. إن المواطن الذي يُطالب بالشفافية لا يهاجم الدولة، بل يدافع عنها من الداخل.
وقد طلب جلالة الملك حفظه الله من الشعب مرارا وتكرارا أن يضغط على السلطات من جهته لتحقيق الإصلاح المطلوب والشفافيه والعدالة .
حيث في أوقات الأزمات، تصبح الكلمة موقفًا وميزانًا للثقة. وعلى من يتحدث باسم البرلمان أو الحكومة أن يزن كلماته بميزان المسؤولية، فالكلمة الواعية يمكن أن تُرمّم ثقة وتعيد جسورًا، بينما الكلمة المتعجّلة قد تُعمّق جرحًا وتُكرّس الفجوة. التواصل مع الناس لا يعني التنازل أمامهم، بل الاحترام المتبادل، والاعتراف بحقهم في النقد والمساءلة.
الناس اليوم لم يعودوا يطلبون المستحيل، بل يريدون أن يشعروا بأنهم جزء من القرار لا مجرد متلقين له. يريدون من ممثليهم أن يخرجوا من قاعات الاجتماعات إلى الميدان، أن ينصتوا قبل أن يجيبوا، وأن يدركوا أن الوجع لا يُداوى بالتصريحات، بل بالأفعال.
إن وظيفة النائب ليست التبرير، كما أن مهمة الوزير ليست الدفاع الأعمى عن الأداء الحكومي. كلاهما يمثل وجه الدولة أمام الناس، وكلاهما مسؤول عن الطريقة التي يشعر بها المواطن تجاه مؤسساته. وعندما يفقد الخطاب الرسمي بُعده الإنساني ويتحول إلى لغةٍ تقنية أو متعالية، فإن كل منجز سياسي أو اقتصادي يُصبح بلا معنى.
احترام الرأي العام ليس ضعفًا، والاعتذار عن الخطأ ليس تنازلًا. بل على العكس، هو دليل نضجٍ سياسي وثقةٍ في النفس. وحين يشعر المواطن أن صوته مسموع، وأن من يخاطبه يتعامل معه كشريك لا كمتهم، عندها يمكن الحديث عن دولةٍ قوية بمواطنيها تسير بخطوات ثابته نحو منظومة تحديث متكاملة سياسية واقتصادية وادارية.
إن بناء الثقة لا يحتاج إلى لجانٍ أو خططٍ استراتيجية، بل إلى لغة جديدة في الخطاب الرسمي؛ لغةٍ تفهم نبض الشارع، وتعترف بحق الناس في الغضب والإنتقاد، وتُقدّر أن الوطن لا يُدار بالعقل البارد وحده، بل أيضًا بالضمير الحيّ.
د.فوزان العبادي



















