هاني الدباس حين تغيب الأخلاق .. يغيب الوطن

الأخلاق ليست زينة اجتماعية ولا شعارًا نستر به دواخلنا، هي أساس الوجود الإنساني وروح الأمم التي تنهض بها، وتسقط بانهيارها.
حين يتراجع الضمير وتُستبدل القيم بالمصالح، يبدأ الفساد الأخلاقي بالتسلل في تفاصيل الحياة، فيضعف الإخلاص، وتبهت العدالة، وتتبدد الثقة بين الناس.
إنه الفساد الذي لا يُرى بالعين المجردة ، لكن آثاره المُدَمرة تغشي العيون ، في السلوك اليومي، في الكلمة غير الصادقة، وفي التهاون بما يُفترض أنه ثابت لا يتغير.
ورغم كل ما نراه من مظاهر سلبية، يبقى الأمل قائمًا في أولئك الذين يقاومون أزمتنا الاخلاقية بصمتهم النبيل، في بيتٍ يزرع الوالدان في أبنائهما الكرامة قبل النجاح، وفي معلمٍ يرى أن التربية تسبق التعليم، وفي موظفٍ يرفض المساومة على ضميره رغم المغريات، وفي إعلاميٍّ يختار أن يكون صوته نزيهًا لا مأجورًا، وفي مسؤولٍ يُدرك أن المنصب تكليف لا تشريف، لكل واحد منّا دور في بناء الوعي بهذا الجانب، لأن الأخلاق لا تورَّث بالوصايا بل تُكتسب بالموقف والمثال.
محاربة الفساد الأخلاقي لا تكون بالقوانين وحدها، فالقانون يعاقب، لكن القيم تسمو بالروح والمجتمع معاً ، إنها مسؤولية تبدأ من الذات، وتمتد إلى الأسرة والمدرسة والمجتمع. فإذا صلح الفرد، صلح المجتمع، وإذا أعلى الإنسان ضميره، استقامت الدولة فكل فعلٍ صادق، مهما بدا بسيطًا، يضيف لبنةً في جدار النزاهة الوطنية، ويجعل من الأخلاق ثقافة لا استثناء.
الأمم لا تنهض بالمال ولا بالقوة، بل بما تغرسه في نفوس أبنائها من قيم. وحين تسود القيم، يزدهر العدل، ويستقيم العمل، وتعلوا قيم الوطن، فالتاريخ لم يخلّد أمة فقدت ضميرها، ولم يُسقط حضارة تمسكت بفضيلتها.
الأخلاق لا تغرق في مستنقعات التسيب والانحدار مهما ارتفع منسوب الفساد، فهي نورٌ يهدي الطريق مهما اشتدّ الظلام، لأنها كما قيل: تطفو دائمًا فهي أنقى من أن تغرق.



















