د. عمار النوايسه يكتب :- استشراف الماضي

نعم، قبل أن نتحدث عن “استشراف المستقبل”، نحن بحاجة إلى استشراف الماضي، لأننا ببساطة لم نتعلم منه بعد. فما زلنا نكرر الأخطاء ذاتها، بالوجوه ذاتها، وبالأساليب ذاتها، ثم نتساءل لماذا لا نتقدم خطوة إلى الأمام.
لقد أصبح الماضي بالنسبة للبعض مجرد أرشيف سياسي تُطمس فيه الحقائق وتُزيَّف الإنجازات. في حين أن من يريد بناء وطنٍ حقيقي لا يخشى مراجعة تاريخه القريب، ولا يهرب من الاعتراف بفشل السياسات التي أرهقت الدولة والمواطن معًا.
سنوات من القرارات المرتجلة والتخطيط الغائب جعلت المواطن يدفع الثمن وحده. كل حكومة تأتي لتجرب، فتخفق، ثم ترحل دون محاسبة، وتترك خلفها تركة أثقل من التي سبقتها. وبدل أن نبني على ما تحقق، نبدأ كل مرة من الصفر، وكأننا شعب بلا ذاكرة!
استشراف الماضي يعني أن نواجه الحقيقة بلا تزيين:
أن نعترف بأننا خسرنا فرصًا اقتصادية بسبب الفساد والمحسوبية، وأننا أهدرنا كفاءات وطنية لصالح مناصب تشريفية ومجاملات سياسية.
يعني أن ندرك أن التعليم تراجع لأن التخطيط التربوي أصبح ملفًا ثانويًا، وأن الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة تآكلت لأن الوعود لم تُترجم إلى أفعال.
لقد حذّر جلالة الملك مرارًا من خطورة الترهل الإداري ومن غياب الإنجاز، ووجّه إلى بناء دولة الإنتاج والكفاءة والمساءلة. وسانده ولي العهد الأمين برؤية شبابية إصلاحية طموحة، لكن التنفيذ على الأرض بقي رهينة عقل بيروقراطي عاجز، ما زال يرى الإصلاح تهديدًا لا ضرورة.
استشراف الماضي لا يعني البكاء على الأطلال، بل يعني أن نقرأ أخطاءنا بجرأة كي لا نكررها، وأن نعيد رسم البوصلة نحو الاتجاه الصحيح.
أما إن بقينا ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقنع أنفسنا بأن كل شيء على ما يرام، فسنستمر في الدوران حول أنفسنا، حتى يسبقنا الزمن ويتركنا خلفه في محطة الانتظار.
فمن لا يتعلم من ماضيه، لا يملك حقًّا في مستقبله.
الأردن لا يحتاج معجزات، بل يحتاج صدقًا في النية، وعدالة في القرار، وشرفًا في المسؤولية.
هذا الوطن تعب من التجريب، وآن له أن يُقاد بعقول تؤمن بأن الانتماء ليس شعارًا يُرفع، بل عمل يُنجز.
فالأردن الذي صبر كثيرًا يستحق أن يُنصف، وأن يُعاد إليه وهجه كما أراده جلالة الملك… وطنًا ينهض لا يعتذر، ويُبنى بسواعد أبنائه المخلصين لا بالمتسلقين على كتفيه



















