+
أأ
-

د.فوزان العبادي يكتب : غزة تحت المطر… شتاءٌ يعادل حربًا أخرى

{title}
بلكي الإخباري

 

في الظلام الدامس وتحت وطئت البرد، وعلى جانب طريق غارق بالطين، أمضت عائلة فلسطينية ليلتها في العراء بعدما اقتلعت الرياح خيمتها مثل الآف العائلات الأخرى. مشهد واحد يكفي ليكشف حجم المأساة: قطاع محاصر، وسماء تمطر فوق بقايا حياة، وأجساد ترتجف في وطن يتكئ على صبرٍ يفوق قدرة البشر.

يدخل الشتاء إلى غزة ليس كما ينبغي أن يكون عند غيرها رحمة وغيث وبركة بل يدخل كعدوٌّ جديد بفعل ضلم البشرية . المطر يتسلل إلى الخيام الممزقة، الريح تعصف بما تبقى من أغطية، الأطفال يرتجفون، والمرض ينتظر لحظة ضعف كي يفتك بمن تعبوا من النجاة. هنا لا يُسأل الناس عن أحلامهم، بل عن قدرتهم على الصمود لليوم التالي.

ورغم وضوح الصورة الإنسانية، يواصل الاحتلال التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار، كأن الهدف هو دفع غزة إلى هاوية أعمق، وترك مئات الآلاف يواجهون البرد والجوع وحدهم، وكأن القطاع كله مطلوب منه أن يختفي تحت ثقل هذا الشتاء.

ومع ذلك، تبقى غزة واقفة. في قلب الطين والهدم، يرفض أهلها أن ينكسروا، يصنعون دفئهم بجهودهم، ويحمون ما استطاعوا من بقية حياة ، كأنهم يقولون للعالم كل يوم: لسنا ضحايا ينتظرون نهاية، بل بشر يتمسكون بحقهم في البقاء على أرضهم مهما اشتدت العاصفة.

هذا الشتاء لن يكون أقل قسوة من الحرب، لكنه يكشف شيئًا لا تستطيع القذائف إسقاطه: أن غزة ما زالت حيّة… وأن إرادة أهلها أقوى من كل ما يُفرض عليهم من موت.

بقلم د.فوزان العبادي